بهية سكافي
يقول فلاديمير بوتين: "أولئك الذين يحاربون الفساد يجب عليهم تنظيف أنفسهم".
لست من الحكماء في الشؤون الإقتصادية، ولا حتى خبيرة فيها. لم يسبق لي حتى ان كتبت مقالا عالجت فيه مشكلة اقتصادية او طرحت خطة بديلة عنها، فمنذ ايام الدراسة كانت ابسط و"أتفه" العمليات الحسابية تصيبني بالارتباك، حتى انني لم يحصل وأن ابتعت آلة حاسبة لانني لطالما اعتبرها عاملا في زيادة وجع الرأس والصداع.
بمسطرة رجل الدولة والاقتصاد، فند الرئيس فؤاد السنيورة بالارقام والوثائق والمستندات والتواريخ، الاسبوع الماضي، حملة "حزب الله" عليه، شارحا المسار الذي سلكه انفاق الاحد عشر مليار دولار. ولأنه صاحب "مسطرة مدوزنة" ولأن لغة الارقام لا تكذب اسقط السنيورة الافتراءات عليه وعلى الفريق الذي ينتمي اليه، كاشفا كيف أنها شائعات مغرضة تهدف للتجني والتشهير. تابعت وقائع الحديث والتفاصيل الكثيرة والتفنيدات العدة التي شرحها السنيورة باسهاب. لا اخفي عليكم انني وبعد انتهاء المؤتمر عدت واستمعت وقرأت ما قاله السنيورة، مرات عدة. نعم اخذت وقتي و"زيادة" لكي افهم الشرح والجداول المفصّلة.
خلال حديثه، ذكر السنيورة انه وفي "العام 2006 بادرت، حكومته الأولى، وانطلاقا من حرصها على تعزيز الشفافية والإفصاح والانضباط في المالية العامة وفي حساباتها، ومن دون المس بصلاحية ديوان المحاسبة في إجراء الرقابة اللاحقة على قطوع الحسابات إلى الإحالة على مجلس النواب مشروع قانون بالمرسوم رقم 17053 تاريخ 25/05/2006 يتضمن تعيين مؤسسات رقابة تتمتع بالصدقية الدولية لتدقيق حسابات مالية الدولة اللبنانية وجميع إداراتها ومؤسساتها العامة منذ العام 1989 أي منذ اتفاق الطائف وعلى أن يستمر عمل مؤسسات التدقيق بعد ذلك ليشمل جميع السنوات اللاحقة". وأعلن "ان المبادرة لإحالة مشروع القانون المذكور، ومنذ ذلك التاريخ يؤكد ويثبت موقفه الجازم بأنه ليس من المقبول على الإطلاق أن تكون على رأس أحدهم خيمة تحميه من الرقابة اللاحقة أو أن يكون فوق القانون. كما أنه يؤكد على إيماننا والتزامنا بمبادئ الإصلاح والنهوض وبقواعد الشفافية والإفصاح والحيادية والموضوعية في عمل الدولة من دون أي تعمية، وذلك على النسق الذي تعتمده دول عريقة في الديموقراطية والشفافية، وهي المبادئ والقواعد التي لطالما دعونا إليها وحرصنا على تبنيها. وأنا صاحب ذلك المثل الشعبي المعدل الذي لم أتوقف عن التأكيد عليه: "أعط الخبز للخباز وراقبه حتى ما ياكل نصه". لكن هذا المشروع لا يزال نائما في أدراج المجلس النيابي. وإن أيا من النواب المحترمين الذين نصبوا أنفسهم نظارا للحسبة لم يعيروه التفاتا، وذلك عن سابق قصد، لأن الأرقام تدحض الأوهام، والدليل القوي يرد الافتراءات إلى جحورها، ويفقد هؤلاء منابر الوعظ الكاذب التي احترفوا اعتلاءها الخ...".
جميل جدا ان تستفيق في بلد متآكل حتى العظم، بلد يحكمه الفساد بكل اشكاله وأنواعه، على قرارات لوضع "مشروع من اجل مكافحة الفساد"، لكنني ومثلي كثر باتوا ينظرون الى تلك العناوين على انها مسرحية مملة، خصوصا ان ابطالها اصحاب حناجر خشبية. حتى من لا يتفق مع الحريرية السياسة على يقين ان "محاربو الفساد الجدد" لا يريدون الا الانتقام وتضييع البوصلة. الانتقام وتشويه صورة تلك الحكومات التي ترأسها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واللجوء إلى أساليب غير مشروعة للنيل من صورته وصورة رؤساء الوزراء الذين تعاقبوا بعده. المسألة ليست مسألة تدقيق في الحسابات المالية، وليست نخوة لحماية المال العام. ببساطة تحريض وإفتراءات لحجب الحقائق.
تصيبني الدهشة ويسقط فكي السفلي مفتوحًا عندما أرى قادة الفساد يقودون حملات "لمكافحة الفساد"! لماذا لا يعمل هؤلاء على محاربة فسادهم مثلا؟. أين ضمائرهم من الفساد الذي دمر الدولة وفكك نسيجها وضرب هيبتها؟ اين هي ضمائرهم من استباحة أموال الدولة وخزينتها ومرفئها ومطارها؟ اين هي ضمائرهم من التهريب الحاصل برا؟ اين هي ضمائرهم من تعريض مصالح لبنان واللبنانيين للأخطار عبر تبني اجندات خارجية؟ اين هي ضمائرهم من حماية المطلوبين للعدالة والفارين من وجهها؟ اين هي ضمائرهم من العمل المتواصل على زج البلد في أتون حرائق المنطقة ونيرانها الملتهبة؟ اين هي ضمائرهم من إلغاء التنوع في لبنان؟
هي ليست معركة للقضاء على الفساد ولا خوض حرب ضد الهدر والفساد، ببساطة هي حرب فاشلة ضد الارث السياسي والاعماري والاقتصادي للرئيس الشهيد رفيق الحريري.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.