8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لقاء البيت الأبيض أزال السموم عن علاقات أوباما بنتنياهو وأكد أن لا غنى له عن واشنطن

اللقاء بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالبيت الأبيض في واشنطن، لن يقلب الطاولة ولن يحقق المعجزة، لكنه يؤدي إلى توضيح المواقف تحضيراً للمستقبل. في هذا الجانب قد يكون بالإمكان التأسيس عليه والبناء فوقه. الواقعية السياسية فرضت اللقاء. كل طرف أراده لأنه بحاجة له، وهو سيعمل على تسويقه في الأشهر القليلة المقبلة. الصورة المشتركة والتصريحات الإيجابية تفتح المعابر لتمرير الوقت الضائع من جهة، ومن جهة أخرى إزالة السموم في العلاقات الشخصية المشتركة بين أوباما ونتنياهو.
باراك أوباما، أمامه استحقاق انتخابي كبير في الخريف المقبل. لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة في أي اتجاه من دون أن يأخذ بحسابه هذا الاستحقاق. خسارة الانتخابات النصفية ستقيّد حركته ولن تضعفه فقط، تحضيراً للحملة الرئاسية الثانية.
في واشنطن، تسود قناعة واضحة أن أوباما يريد أن يكون رئيساً أميركياً عظيماً، يقف إلى جانب الرؤساء الأميركيين العشرة العظام من بين إجمالي الرؤساء الذي هو الرابع والأربعين منهم. أوباما يعتقد أن الشرق الأوسط وحل النزاعات فيه خصوصاً الفلسطيني الإسرائيلي منها هو المصعد الذي سيحقق طموحه. لذا لن يترك الفرصة تمر أمامه، وهو مستعد لممارسة الضغوط التي مارس بعضها مؤخراً مع بنيامين نتنياهو ونجح في تحقيق بعض النقاط لصالحه.
قوّة اللوبي اليهودي الأميركي، لا يمكن التغافل عنها، ولا بد من التعامل معها فعلاً لا قولاً. الرئيس أوباما محشور حالياً. التفاهم مع هذا اللوبي الذي أولوية أولوياته خدمة إسرائيل، يشكل المفتاح الأساسي لعبور هذا الاستحقاق بسلام. أيضاً مطلوب أن لا يعارض اللوبي اليهودي أي خطوة وفي ما بعد أي مبادرة أميركية باتجاه الشرق الأوسط. معارضة هذا اللوبي، تعني حكماً رصاصة على رأس التحرك الأميركي داخلياً.
الإسرائيليون عملوا على التقليل من أهمية نتائج اللقاء، ووصفوا تأكيد أوباما بأن نتنياهو يريد السلام وهو سيقدم على مجازفات بأنه مجرد كلام جميل لمحو ذكرى سيئة عن اللقاءات الثلاثة الأخيرة. حتى الكلام الإسرائيلي عن لقاء حميمي وودّي ليس أكثر من باقة ورد على ضريح الواقع الفعلي الذي يقول إن أوباما ونتنياهو تغافلا عن حقيقة ما يريده كل واحد منهما. فلا نتنياهو كما يقول القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك ألون بنكاس فهم ماهية الدوافع التي تحرك أوباما وجوهر القيم التي يتبناها ولا أوباما فهم جيداً المخاوف وخيبات الأمل لدى الإسرائيليين.
هذه النظرة تكتمل بوجهة نظر أخرى وهي أن نتنياهو سيجد نفسه في الخريف المقبل أمام سؤال كبير سيطرحه عليه باراك أوباما، وهو عن الخطة السياسية التي ينوي تقديمها والتي يجب أن تتضمن خريطة طريق مفصلة شبيهة بالخطة التي تضمنتها خطة الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون عام 2000 أو خطة ايهود أولمرت ومحمود عباس عام 2008. لن يستطيع نتنياهو تجاهل هذا الطلب الرئاسي، مرحلة تقطيع الوقت ستكون قد انتهت. لن يخسر أوباما أكثر مما خسر إذا خسر الانتخابات النصفية من مساءلة نتنياهو ووضع حد لمراوغاته. وإذا كان أوباما قد ربح الانتخابات فإنّه سيكون قوياً بما فيه الكفاية لمساءلة نتنياهو وتحقيق مكاسب تاريخية تؤهله بقوّة للدخول في الحملة الرئاسية المقبلة. خلاصة هذا كله: إن شهر العسل لن يطول وإن العلاقات ستتأزم من جديد بين واشنطن وتل أبيب.
طلب عقد المفاوضات المباشرة لا يعني مطلقاً مسارعة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للصعود في قطارها. كل طرف لديه مواقف ليس باستطاعته التراجع عنها، وأكثر من ذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس عليه أن يحسب ألف حساب لـالمظلة العربية التي حصل عليها بعد الموافقة العربية على دخوله المفاوضات غير المباشرة. من دون حصوله على هذه المظلة العربية للدخول في مفاوضات مباشرة لن يستطيع المغامرة ضدها. أيضاً من دون الحصول على مؤشرات إسرائيلية حقيقية حول مسألتين: الحدود والأمن لا يستطيع عمل شيء فلسطينياً. أما نتنياهو فإنه يريد أن يبدأ من حيث يجب أن تنتهي المفاوضات وهو رد فلسطيني واضح حول مسألة عودة اللاجئين.
رغم هذا التشاؤم الواقعي، فإن مارتن أنديك المسؤول والمفاوض خلال ولايتي بيل كلينتون ونائب رئيس معهد بروكنغز، حالياً يبدو متفائلاً. ينطلق انديك في تفاؤله من أن تل أبيب أدركت ضرورة تقديم تنازلات لتحسين علاقاتها مع واشنطن، وأن لقاء نتنياهو وأوباما الذي جاء بعد أسبوعين من اللقاء مع محمود عباس هو ليحصل الرئيس الأميركي على تصور الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني مباشرة للحل النهائي. ويضيف أنديك الذي يعرف نتنياهو جيداً بأن الأخير لا يستطيع التذاكي على أوباما. الحاجة لبعضهما البعض متبادلة لإنجاح المحطات المقبلة خصوصاً في مواجهة التهديد الإيراني.
أكثر ما يدعو أنديك للتفاؤل أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يفهمان الوضع حالياً والدليل الهدوء الأمني من جانب الفلسطينيين ليس في الضفة الغربية وحدها وإنما في غزة من جانب حماس، ووقف الاستيطان من جانب الإسرائيليين. ويخلص أنديك الى أن الظروف السياسية للمفاوضات أفضل بكثير مما كانت عليه خلال وقت طويل.
في رأي الكثيرين في واشنطن أن أوباما حقق نجاحات عديدة في السياسة الخارجية أخيراً أبرزها في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ومنها مراجعة نتنياهو للحصار على غزة والقبول بمبدأ إقامة الدولة الفلسطينية.
بين التشاؤم القوي والتفاؤل الحذر، ستبقى منطقة الشرق الأوسط ترقص فوق أكثر من بركان، حتى تأتي اللحظة التي لا يعود فيها الرقص ممكناً لأن الوقت الضائع انتهى وحانت ساعة الخيارات بالنسبة للجميع. مشكلة الأطراف المتنازعة أنها عندما ستواجه لحظة الحسم ستجد أمامها رئيساً أميركياً قادراً على الحسم، لأن باراك أوباما أساساً يريد أن يدخل التاريخ، ولأن من جهة أخرى لن يعود أمامه ما يخاف منه أو يجعله يحسب حسابات الخسارة والربح في مسألة الرئاسة لأن الدخول إلى التاريخ أهم وأكبر بكثير.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00