مفتاح المفاوضات المباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين، ليس مع الرئيس محمود عباس، كذلك ليس مع الرئيس باراك أوباما، لذا يبدو أن الهدية التي قدمها أوباما لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لم تكن أكثر من علبة كبيرة وملونة وفارغة. عندما وافق أوباما على طلب نتنياهو بالاندفاع من المفاوضات غير المباشرة الى المباشرة، كان يعرف في أعماق نفسه ان ذلك مستحيل، لأنه غير قادر على تقديم أي ضمانات لأحد، خصوصاً مع وجود نتنياهو رئيساً للحكومة الاسرائيلية، مع ذلك فعلها أوباما، لأنه أراد استكمال احتفال العلاقات العامة مع نتنياهو، حتى لا يبدو وكأنه في حرب معلنة معه ومع الحكومة الاسرائيلية لأن ذلك يضيف الى متاعبه متاعب أكبر وأثقل وهو على أبواب الانتخابات النصفية للكونغرس المهمة في تشكيل موازين القوى مع انتهاء النصف الأول من الولاية الرئاسية. هذه الهدية لم تقنع الاسرائيليين بموقف أوباما من اسرائيل. الاستطلاع الأخير أكد ان 46 بالمئة من الاسرائيليين يعتبرون أوباما مؤيداً للفلسطينيين وعشرة بالمئة فقط يعتبرونه مؤيداً لإسرائيل، و34 بالمئة على الحياد. الطرفان الاسرائيلي والأميركي متى يعملان على تلافي انفجار الخلافات بينهما، وفي الوقت نفسه يعلمان أن كل ما يحصل حالياً هو تأجيل المواجهة الكبرى مع مطلع العام 2011.
مصر كانت وما زالت البوابة الالزامية للعبور الى القرار الفلسطيني في رام الله. لذلك تكثفت الاتصالات الأميركية والاسرائيلية خلال الأيام القليلة الماضية، لم تستطع الادارة الأوبامية ولا بنيامين نتنياهو اقناع الرئيس حسني مبارك بالضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للدخول في مفاوضات مباشرة مع الاسرائيليين. كل ما استطاعت القاهرة ان تعد به هو العمل على تضييق الهوة بين حاجات اسرائيل الأمنية والحدود الفلسطينية المطلوبة.
فشل المفاوضات غير المباشرة، لا يعود بالتأكيد الى المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشل. كل جولاته المكوكية لم تثمر. وهو يتابع هذه الجولات كما يبدو لتقطيع الوقت الضائع. ميتشل يعرف الآن أكثر من غيره، انه فشل لأن الحكومة الاسرائيلية لا تريد أن تقدم أي تنازل والسلطة الفلسطينية لم يعد لديها ما تملكه لتتنازل عنه.
أبعد من ذلك، أبو مازن دخل في مسار المفاوضات غير المباشرة بعد موافقة مؤسسات حركة فتح على ذلك، وبعد أن شكلت الدول العربية مظله سياسية له تحميه من أي هجوم عليه. فشل ميتشل وأبو مازن كان متوقعاً منذ البداية. مع العلم أنه حتى لو نجح ميتشل فإنه سيبقى نصف نجاح، لأن نصفه الآخر بيد حركة حماس المقيمة في امارتها والتي باسم المقاومة تنفذ انفصال غزة عن الضفة الغربية. في جميع الأحوال أمام أبو مازن استحقاقان فلسطينيان وثالث عربي قبل أن تخرج كلمة السر للدخول في المفاوضات المباشرة أو انتظار مبادرة أميركية أكثر واقعية:
[ أخذ موافقة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتبدو هذه الموافقة حالياً شبه مستحيلة.
[ أخذ موافقة مؤسسات حركة فتح، والمؤكد حتى الآن أن هذه المؤسسات ستأخذ هذا الأسبوع قراراً برفض هذا الانتقال.
[ أما الاستحقاق العربي فإنه سيكون في مطلع أيلول المقبل حيث يتم الاجتماع الدوري لجامعة الدول العربية والذي سيسبقه اجتماع لأعضاء لجنة متابعة مبادرة سلام.
أمام الرئيس الفلسطيني أبو مازن، مهمة ليست سهلة وهي تقطيع الوقت حتى مطلع أيلول المقبل. الضغوط ستتزايد عليه. واشنطن ستضغط أكثر فأكثر. وبنيامين نتنياهو سيتابع سياسته في اقفال كل المنافذ أمام الحلول. استيلاد قانون الاستيلاء على أملاك الغائبين الفلسطينيين، قنبلة حقيقية لا يمكن لأحد الصمت عنها. بعض العقلاء من الاسرائيليين كانوا قد حذروا نتنياهو من أن عملية تجريد ملاكين فلسطينيين من أملاكهم قضية المجتمع الدولي، لم يعد بإمكانه الصمت عن هذه السياسة حتى ولو كان قد سكت عنها في الماضي.
يقال اليوم في اسرائيل ان اليسار عندما بنى الجدار كان يريد أن يقول ببساطة لا نريد رؤية الفلسطينيين. أما اليمين فإنه نفذ وينفذ سياسة تواصل العمل ولنرَ ما سيكون. السياستان فاشلتان، لأن اخفاء الفلسطينيين خلف الجدار لا يخفيهم ولا يلغيهم. ومتابعة السياسة العنصرية اليمينية المتطرفة تؤجل المشكلة لكنه لا تلغيها.
الجديد في اسرائيل أن الهرب من معادلة الأرض مقابل السلام مستمر بكل الصيغ رغم فشلها الكامل. آخر هذه الصيغ المطروحة من بعض المعتدلين أو كما يسمونهم في اسرائيل أصحاب رؤيا: ضم الفلسطينيين الى اسرائيل ومنحهم الجنسية الاسرائيلية. بهذا يسقط مشروع الدولة الفلسطينية لتبقى اسرائيل وحدها. الذين يشيعون هذا الحل داخل اسرائيل يقولون: نحن بهذه العملية لا نعترف بحقوق قومية للفلسطينيين. وانما بحقوق الانسان وحقوقهم الفردية، وبالحقوق السياسية الفردية. لكن بين نهر الأردن والبحر ثمة مكان لدولة واحدة هي الدولة اليهودية. هذه العبقرية تعني خلق دولة واحدة لشعبين أحدهما سيد والثاني تابع. حتى لو حصل ذلك وهو مستحيل، يبقى الجولان المحتل والحل مع سوريا. ما هو الحل غير اعادة الجولان الى سوريا؟.
الاسرائيليون لا يريدون الحل، لأنهم يؤمنون بأن الوقت يلعب لمصلحتهم. لقد نجحوا منذ العام 1967حتى الآن في تغيير الواقع على الأرض. مطالبتهم بالعودة الى حدود الرابع من حزيران، تزداد يوماً بعد يوم صعوبة. أما الفلسطينيون فإنهم حتى لو قبلوا بتعديلات على الأرض في سبيل اقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش، فإنهم غير قادرين. قرارهم ليس بيدهم، وحروبهم الداخلية أقسى من الاحتلال وأسوأ منه. والعرب يريدون الحل لكنهم عاجزين حتى عن الاتفاق على الحد الأدنى فيما بينهم لمواجهة تفتت الأقطار والأمة. أكبر دليل على ذلك، العراق حيث لا يستطيع أحزابها الاتفاق على حل للفراغ السياسي الذي يهددهم بالغرق في العرقنة.
أما الادارة الأوبامية فإنها وإن كانت مقتنعة بأن اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة هو الحل الذي منه ينطلق مسار اخراج منطقة الشرق الأوسط من مصنع العنف الأسود الذي يغزو العالم، فإنها أمام ثوابت تاريخية في العلاقة مع اسرائيل تجعل من اي محاولة لاحداث متغيرات حقيقية محاولة انقلاب تتطلب المغامرة بكل شيء، بما فيها ولاية رئاسية ثانية لباراك أوباما. فهل يختار أوباما التاريخ على الحاضر، فيخاطر أم يبقى أسير طموحاته الرئاسية كل ذلك في ظل غياب عربي كامل لا يشجع حتى على القيام بخطوة واحدة الى الأمام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.