8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران لا يمكنها التصدّي للمصلحة المشتركة لتركيا وسوريا والعرب وواشنطن في عراق موحّد ومستقل

يجب اخراج العراق من أزمته. هذا الهدف أصبح أكثر من ضرورة لكل الأطراف الدولية والاقليمية. قد يقال ان ايران ليست مستعجلة، لأن المفاوضات الحقيقية لم تبدأ بعد. لكن حتى ايران لا يمكنها المخاطرة كثيراً بالسير عكس مصالح كل دول المنطقة. ما يعزز ذلك أن تركيا دخلت على خط الحل علنا بعد أن كانت تتحرك بعيداً عن الملاحقة والمتابعة. أنقرة بعد خلافها مع اسرائيل تملك قلقاً حقيقياً من استخدام شمال العراق الكردي، مركزاً للمواجهة ضدها. بعض العمليات العسكرية الأخيرة، تؤكد هذا القلق. التطور النوعي في العمليات ليس بريئاً، أكثر من ذلك التواجد الاسرائيلي في الشمال الكردي أصبح مكشوفاً، آخر إنجازاته صدور مجلة كرد اسرائيل، في اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق. المجلة تطالب علناً إقامة علاقات سياسية وديبلوماسية بين الاقليم الكردي واسرائيل.
هذا الطلب، مهما كان موضع الشريحة الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية الكردية وأهميتها، يدق ناقوس الخطر للمطالبين بعراق موحد، وفي الوقت نفسه ضد تركيا في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة.
دخول تركيا العلني على خط التفاهمات العراقية في دمشق وعبرها، يعني أن محاولات حل الأزمة العراقية قد وضعت على نار حامية. المشهد العراقي يكاد يماثل حالياً المشهد اللبناني قبل مؤتمر الدوحة الذي فتح الباب أمام الحل وتشكيل الحكومة اللبنانية. اللقاء الأول الذي جمع اياد علاوي مع السيد مقتدى الصدر لن يصنع الحل، لكنه على الأقل يمهد للقاءات أخرى تثبت المعالجة أولاً ومن ثم البحث الجدي عن شروط الحل، من الواضح ان نقطة أساسية في كل ما تتجه اليه صيغة الحل هي اشراك الجميع فيه. لا يمكن اخراج طرف من الأطراف الأربعة الممثلين في: التحالف الكردي، والعراقية ودولة القانون والائتلاف الوطني من صيغة الحل دون وقوع خلل حقيقي، ينسف الحل.
تركيا لاعب مهم وفاعل في المسألة العراقية، لكن أيضاً التطورات تشير الى أن دور سوريا أصبح أساسياً وحتى مركزياً.
اصرار دمشق على الحفاظ على العراق موحداً وعربياً ومستقلاً، يتقاطع مع الطموحات العراقية والعربية والتركية. حتى ايران لا يمكنها اللعب ضد هذا التوجه، لأن ترك العراق عارياً أمام التفتيت والتقسيم، يعني مباشرة تعريض ايران لهذا المرض القاتل. ايران تعرف جيداً ان الهدف الأساسي والكبير للحرب الناعمة ضدها، هو اشعال حركات تمرد وارهاب وانفصال في الأقاليم القومية والمذهبية. تجربة بلوشستان مع منظمة جند الله تؤكد هذا التوجه. لذلك تعرف طهران أن اللعب بنار التقسيم في العراق ستحرق أيضاً يديها، لذلك لا يمكنها سوى الوقوف مع حليفتها دمشق. بهذا تتضح القوة في موقف دمشق أمام العرب وتركيا وواشنطن وفي استثمارها الوضع لتحقيق المزيد من النفوذ داخل التكوينات السياسية العراقية.
العراق حالياً هو الهدف المباشر لكل التحركات، خصوصاً وأن استحقاق الانسحاب العسكري الأميركي منه يقترب ولا يمكن ترك العراق في الفراغ السياسي والعسكري والأمني، لأن ذلك يشكل خطراً أمنياً على الجميع. لكن من العراق كما يبدو الآن تنطلق صياغة استراتيجية شاملة للمنطقة تخدم أطرافها وتجعلها قادرة في الوقت نفسه الوقوف على قدميها في مواجهة التطرف الاسرائيلي من جهة والفشل الأميركي من جهة أخرى.
من التقارب السوري العراقي يتم التوجه نحو تنسيق رباعي يجمع تركيا وايران وسوريا والعراق. من الواضح ان المشروع المطروح بعد الاجتماعات التي حصلت في دمشق والتي شارك فيها وزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو لم تصل إلى حالة طرح إقامة حلف بين هذه الدول الأربع. ما زال الأمر مبكراً على ذلك. ايضاً طرح قيام مثل هذا الحلف قد يثير حساسيات كثيرة سواء لدى مصر أو دول الخليج العربية. لكن مبررات قيام مثل هذا التنسيق ومستقبلاً هذا الحلف الذي يمكن أن يفتح أمام مصر والاردن ولبنان كثيرة لعل أهمها تطمين ايران أن وحدة العراق واستقلاله ليست ضدها. أما أبرز الأهداف كما كانت المستقبل قد أشارت إليها في هذه الزاوية بتاريخ 20 آذار الماضي:
[ إخماد العنف الطائفي، خصوصاً على الصعيد المذهبي السنّي الشيعي. وجود هذا الحلف سيحقق حالة توازن شاملة في العالم الإسلامي من خلال الدور الذي يمكن أن تلعبه كل من إيران وتركيا.
[ معالجة الأوضاع الحسّاسة للديانات التي تتعرّض للتهميش أو الهجرة الطوعية.
[ معالجة الملفات العرقية الملتهبة ومنها المسائل الكردية والأرمنية والتركمانية والعربية. في مثل هذا الحلف تستطيع هذه الشعوب التعايش فيما بينها مع المحافظة على ثقافاتها ولغاتها وآدابها.
[ تحقيق التكامل الاقتصادي وتنميته. دول الاقليم الرابع تحتل موقعاً جغرافياً يمتد إلى روسيا وأوروبا والعالم العربي.
[ توسيع المنافذ البرية والبحرية خصوصاً بالنسبة للدول التي تعاني من ضيق في ذلك مثل العراق.
[ معالجة الإرهاب بتجفيف منابعه ومحاصرتها، مما سينتج الاستقرار الداخلي وانحسار التدخلات الخارجية.
[ بلورة سياسة خارجية رصينة مع العالمين الآسيوي والغربي.
[ تنسيق مصادر المياه في المنطقة، ونزع فتيل قنبلة موقتة تدور حول التنازع على هذه الثروة.
[ فتح الحدود وبناء بنى تحتية تسمح بالتنقل السريع بين دول المنطقة بحرية كاملة.
يجب أن تنشط وتعمل القوى العربية والاقليمية لاخراج العراق من هذا الانحدار البطيء نحو الفراغ. ما يدفع إلى ذلك ان الولايات المتحدة الأميركية المعنية الاساسية بتطورات الوضع العراقي ما زالت بلا خطة. أكثر من ذلك، رغم كل التصريحات ما زالت ممزقة بين الحلين: وقف الانسحاب العسكري أو استكمال هذا الانسحاب. في الحالتين ستواجه واشنطن المزيد من التحديات. كل ما تقوله واشنطن حالياً انها تريد حكومة عراقية متماسكة تمتلك قدرات أمنية وعسكرية ذات كفاءة لتحقيق السيادة على أراضيها داخلياً وردع الهجمات سواء كانت داخلية أن خارجية ضد العراق.
هذا الهدف الأميركي مهم جداً، لكن المشكلة في آلية التنفيذ. ما يشجع على امكانية حسم واشنطن لموقفها نهائياً انها لا تريد بالمطلق أن يقع العراق غنيمة بين يدي إيران. ولذلك فإنّ مثل هذا التحرك السوري التركي يساهم في تقوية الاندفاع الأميركي نحو حسم موقفها باتجاه الحل.
العقدة في كل هذه التحركات هي معرفة القطبة الخفية الموجودة بين دمشق وطهران من جهة، وحجم تقبل طهران بالتحرك التركي والمدى الذي يمكنها تقبله دون أن تعتبره تحركاً مضاداً لها، من جهة ثانية.
من المؤكد ان أي طرف يتم استبعاده قادر على نسف أي حل تتوافق عليه القوى الكبيرة منها. المهم أن حالة العراق المريض لم تعد تتحمل الكثير من التأجيل. اقتربت ساعة حسم المواقف بانتظار صيغة الحل.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00