الوضع العراقي معضلة وليس مشكلة. هذا ما يعترف به العراقيون الواقعيون. لا يبدو الحل قريباً. مجلس الأمن الدولي، كان نافذة على الفرج. لم يحصل ذلك خلال انعقاد المجلس أول من أمس الخميس. توقعت أطراف وقيادات عراقية عديدة أن يحسم مجلس الأمن أمره فيتدخل أولاً بإخراج العراق من تحت الفصل السابع المتعلق بالارهاب، وثانياً أن يطلب تشكيل حكومة مؤقتة على الأقل أو أن يدعو الى انتخابات تشريعية جديدة. الحكومة المؤقتة كان يمكن أن تكون على غرار تجربة كوسوفو، والانتخابات، كان يمكن أن تعيد تشكيل المشهد السياسي، من خلال فبركة قوائم تقوم على تحالفات جديدة، تؤخذ تفاصيلها من الدروس المستفادة من الانتخابات التي انتجت هذا البرلمان العاجز عن الحسم بسبب توازن في القوى غير عادي. القوائم الأربع التي تشكل البرلمان، وهي: العراقية ودولة القانون والائتلاف الوطني وتحالف الأكراد جعلت تنازل قوة لقوة أخرى مهمة انتحارية مع أن الأمر ليس مأسوياً الى هذه الدرجة.
حل المعضلة ليس مستحيلاً، لكنه بالتأكيد صعب جداً ويتطلب تضافر الجهود الكبيرة المتزاوجة بالإرادات الطيبة الداخلية منها والخارجية فيما يتعلق بالعراق. حتى الآن كل هذا ليس متوافراً، لأن المصالح متعارضة والإرادات متنافسة أحياناً حتى الموت. الحل يتطلب كما هو ظاهر على سطح الأحداث في العراق، جمع الماء والنار في وقت واحد. كيف يمكن جمع أياد علاوي ونوري المالكي وتحقيق التوافق بينهما. وكل واحد منهما يعتقد أنه المنقذ؟ وكيف يمكن تثبيت التحالف بين دولة القانون والائتلاف الوطني وتشكيل حكومة ورمي السنّة في أحضان التطرف الى درجة التهديد بالعرقنة، التي ستحرق الأخضر واليابس إذا اشتعلت هذه المرة، كل ذلك في وقت عادت فيه الزرقاوية تطل برأسها من جديد؟ يبقى أن الثابت الوحيد في كل ذلك الطرف الكردي، فهو موجود في كل المعادلات. الجميع بحاجة له، يأخذ منهم ما هو شرعي ويطالبهم بحصة أكبر من حصصهم لان ما له له وما لهم له ولهم. دون الطرف الكردي لا تقدم سلطة، لأنه أصلاً بدونه لا يبقى العراق واحداً موحداً مهما كانت صيغة السلطة المشكلة؟
أيضاً كيف يمكن جمع الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الاسلامية في إيران والتوصل بينهما الى اتفاق وهما يقفان على خط النار لا يفصل بينهما وبين الحرب سوى انزلاقة صغيرة محسوبة أو غير محسوبة؟ كيف يمكن لسوريا أن تخرج من ثوبها العروبي وتبتعد عن السعودية مما يهدد وحدة العراق وعروبته وفي الوقت نفسه تحافظ على حلفها الكبير مع طهران؟ كيف يمكن لتركيا التي تتحرك في العراق بصمت عميق ولكن بفعالية قوية أن توفق في خياراتها بين الانحياز للخيار العربي السني لأنه يحافظ على وحدة العراق ويحول دون انفجار المشكلة الكردية في العراق وامتداداً الى الداخل التركي في وجهها، وبين تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة وضرورة أخذها بعين الاعتبار مصالح جارتها إيران الحيوية؟
على الورق حالياً، لدى العراقيين تحالف معلن بين دولة القانون والائتلاف الوطني، لكنه كما يبدو بعد خمسة أشهر من الانتخابات يبدو انه تحالف بلا أفق ولا مستقبل. المشكلة الأساسية انه مريض بإصرار نوري المالكي أن يكون هو رئيس الوزراء أو لا أحد، رغم الفيتو العلني والضمني عليه من الصدريين ومجلس الثورة بزعامة السيد عمار الحكيم. إذا نجا هذا التحالف من عقدة المالكي يمكنه تشكيل حكومة خلال أيام أو أكثر تبعاً للتشكيلة المفترض أن تكون جاهزة سواء الأسماء أو الحقائب، هذا التحالف المكتمل مع الأكراد يشكل أغلبية مطلقة. المشكلة المعضلة، أن الجميع يعون خطورة مثل هذا الخيار لأنه يعني حكماً ابعاد السنة الذين يشكلون الرافعة الحقيقية للعراقية، حل آخر، أن يقوم تحالف بين العراقية ودولة القانون بعد حل االتنافس والتزاحم القاتل بين نوري المالكي وأياد علاوي، وانضمام الأكراد إليهما. هذا التحالف يعني تشكيل أغلبية تصل الى 257 نائباً. بذلك تملك الحكومة المشكلة أغلبية ليس في مواجهتها معارضة تحوز على الثلث المعطل، مما يعني أن دور المعارضة إضافة نكهة الديموقراطية، لأنها تستطيع أن تشكل مراقباً حقيقياً وصلباً لكل عمل الحكومة. ولا يبدو هذا الحل وكأنه نهاية العالم للائتلاف الوطني، ولا هو يخيفهم بالعكس. إذ يقول حكيم من آل الحكيم إذا لم نكن طرفاً فاعلاً في الحكومة، لا يجب أن نكون شاهد زور على أعمالها. طالما أن لنا وتحديداً للسيد عمار الحكيم إرثاً وثوابت وطالما أنه ابن البلد الذي ينبض على وقع نبض العراق، وطالما أن خطابه موجه للعقل وليس للقلب وحده، فإن هذا الوضع يثبت الدور التاريخي لهذا البيت. لم يكن خطابنا يوماً خطاباً يريح الجميع لذلك لدينا القوة والجرأة للمواجهة والمعارضة من أجل بناء العراق الذي نأمله لكل أبنائه وليس لطرف ضد طرف آخر، ومتوافقاً ومتفاهماً مع محيطه كل محيطه. حل أخير أن تتجمع القوى الموزعة على القوائم الأربع وتشكل حكومة يكون لكل واحدة منها طابقاً في المبنى العراقي. بهذا تكون لبننة النظام كاملة من دون الحاجة الى اتفاق دوحة جديدة، ما يعزز إمكانية حصول ذلك أن المرجعية ممثلة بالسيد السيستاني أكدت مراراً على تمثيل كل القوى في الحكومة التي ستدير العراق بعد انتهاء مرحلة الانتداب.
الرسالة التي وجهها الرئيس باراك أوباما عبر أحد النواب الشيعة العراقيين، الى المرجع السيد علي السيستاني تؤكد أن هذا الحل هو الخيار الأخير لواشنطن، ذلك أن الإدارة الأميركية التي تراقب الوضع من دون تدخل حقيقي منذ خمسة أشهر بدأت تشعر أن الوقت أخذ ينفذ منها وأمامها، تحقيق الانسحاب العسكري لا يمكن أن يتم وإن تم لا يمكن أن ينجح إذا بقي واستمر هذا الفراغ. مع الوقت سيصبح فراغاً قاتلاً يهدد العراق والجميع في الداخل والخارج معاً. وطالما أن واشنطن لن تستطيع حالياً التفاهم مع طهران على الحل، خصوصاً وأنها تحتضن المالكي وتفرض الفيتو على علاوي وترفض عادل عبدالمهدي، فإن الحل الأخير هو في وضع الجميع في مغطس واحد يتواجهون يومياً داخله أفضل من أن يتواجهوا خارجه تاركين الفراغ يدفع بركان العرقنة نحو الانفجار.
المرجعية تكتفي حتى الآن بالتوجيه، يبدو أنه حان الوقت لأن تتدخل لتجمع الجميع تحت عباءتها بما يرضي كل القوى ويحفظ وحدة العراق، الى حين يقوى عوده ويعود الى قوته وحضوره يقرر مصيره وسياسته بما يضمن له إعادة بنائه من دون أن يخيف جيرانه أو يخاف منهم.
حل المعضلة العراقية يؤشر الى مسار كل المسارات في منطقة الشرق الأوسط. أصبح طبيعياً أن يقال اليوم: إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في لبنان وفلسطين وبين واشنطن وطهران ودمشق يجب أن تعرف ماذا يجري في العراق؟
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.