8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المفاوضات عملية تراكمية ومشاركة عباس تمنحه شرعية إعلان الدولة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي

قد لا تكون المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية أكثر من قبر مفتوح بلا جثة باختصار مفاوضات جديدة تبدأ بلا نتائج حاسمة ونهائية. رغم هذا الواقع المر، من المهم وأحياناً من الضروري أن تجري هذه المفاوضات برعاية واشنطن المباشرة. الفشل واقع ضمن كل المعطيات المعلومة والعلنية، ليس على هذا الصعيد من أسرار. بنيامين نتنياهو يبيع التفاؤل أمام القبر المفتوح فيقول: إن السلام ممكن وليس مستحيلاً وإنه قادر على مفاجأة الجميع. لو لم يكن لدى نتنياهو شقيق سيامي من نوعية أفيغدور ليبرمان كان يمكن لبعض التفاؤل أن يتسلل، لكن وجود ليبرمان في الحكومة الإسرائيلية يجعل من صناعة السلام عملية مستحيلة مئة في المئة.
رغم كل هذا لا يجوز أن تنزلق الأطراف المعنية الى اليأس فالإحباط. الاتفاق الشامل بين الفلسطينيين وإسرائيل لم يقع رغم كل المفاوضات المباشرة وغير المباشرة التي بدأت عام 1992 وما زال مسلسلها مستمراً، وهو سيستمر لوقت طويل. التوصل الى صياغة الاتفاق الشامل عملية تراكمية تصنعها المفاوضات الناجحة والفاشلة معاً. لأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تاريخي، فإن التاريخ لا يُكتب في يوم، وإنما جيلاً بعد جيل، وحرباً بعد حرب، ومفاوضات بعد مفاوضات.
أهمية اللقاء الثلاثي في 2 أيلول القادم بين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنه يعيد ويثبت الراعي الأميركي في موقع إدارة المفاوضات. قد تكون الإدارة الأميركية منحازة لإسرائيل بطبيعتها، لكن من المهم وضع النقاط على الحروف، بحضورها ومشاركتها. ليس جديداً مشاركة الإدارة الأميركية في المفاوضات المباشرة. سبق للرئيس بيل كلينتون أن شارك شخصياً في واي بلانتيشين عام 1998. المرجح أن يشارك الرئيس باراك أوباما بنفسه في المفاوضات القادمة.
من نتائج العملية التراكمية أن قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش الى جوار إسرائيل أصبح التزاماً أميركياً رسمياً. الوعد لم يعد مجرد شعار أو جائزة ترضية إنه التزام خطي، منه تنطلق المفاوضات وعلى أساسه تُبنى النتائج. أوباما كتب في رسالته الى عباس المؤرخة في 16 تموز الجاري: أدعوك الى المفاوضات المباشرة من أجل تحقيق مساعينا المشتركة لتطبيق حل الدولتين الذي هو ليس فقط من مصلحة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بل ومن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. يكاد يصل هذا الالتزام الخطي الى مرتبة وعد بلفور معاكس للفلسطينيين بقيام دولتهم كما كان الأول لليهود رغم أن الرئيس السابق جورج بوش تكلم عن حل الدولتين، لكن بعد هذه الرسالة الخطية يمكن الكلام بتفاؤل عن وعد أوباما بدولة للفلسطينيين قابلة للعيش.
فشل المفاوضات المباشرة متوقع، لكن للسلطة الفلسطينية مصلحة إضافية للمشاركة فيها. سيكون للسلطة الفلسطينية بعد فشل المفاوضات شرعية التوجه الى مجلس الأمن لإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد. الدعم العربي لمثل هذا القرار موجود والمعارضة الأميركية لن تكون جازمة كما لو ذهبت السلطة الفلسطينية الى مجلس الأمن من دون عبور نار المفاوضات مع الثنائي بنيامين نتنياهو أفيغدور ليبرمان. بذلك لا يكون فشل المفاوضات كارثة.
أيضاً، قد تنتج هذه المفاوضات طلاقاً بين نتنياهو وليبرمان. واشنطن ترغب بذلك ونتنياهو يطمح لذلك.
لا يمكن للحكومة الإسرائيلية الاستمرار في إقناع العالم بأنه لا يوجد مفاوض فلسطيني بوجود ليبرمان وزيراً للخارجية الذي جعل من رفض السلام خطاً أيديولوجياً وفكرياً لا يحيد عنه. إبعاد ليبرمان ودفعه الى الاستقالة ليس أمراً سهلاً، لا بل يشكل مهمة صعبة، لكنها مهمة ليست مستحيلة.
لا يمكن لإسرائيل مهما بلغت قوتها، الاستمرار في سياسة الرفض. لقد سبقها العرب الى ذلك طوال عقود ثم تراجعوا حتى وصلوا الى المبادرة العربية. يجب دائماً صياغة سياسة بديلة للرفض. طالما أن العرب لا يستطيعون إلغاء إسرائيل لم يكن أمامهم سوى الدخول في مسار جديد. كذلك إسرائيل طالما أنها لا يمكنها إلغاء العرب ولا تجاهلهم، لا يمكنها الاستمرار في التشدد والرفض مهما كابرت بسبب قوتها العسكرية.
في النهاية ثبت أن حرب الطيران تلحق أضراراً بالغة وأحياناً كوارث ضخمة، لكنها لا تحقق أي نصر، حرب 2006 ضد لبنان أثبتت هذه النتيجة، القوات البرية هي التي تثبت التغيير على الأرض سواء النصر أو الهزيمة. طالما لم يكسر أحد إرادة الآخر، فالصراع مستمر. وإسرائيل عاجزة عن فرض معادلات حاسمة على الأرض.
استراتيجياً، إسرائيل تعلم جيداً أنها خسرت الكثير من صورتها في العالم، أكثر من نصف العالم لم يعد مقتنعاً بأسطورة إسرائيل المحاصرة بالعرب، الجميع يعرف بالصوت والصورة أن إسرائيل هي التي تحاصر وتدمر وتجوع المدنيين، كما يحصل في غزة. ليست الإدارة الأوبامية وحدها المقتنعة بأن حل النزاع العربي الإسرائيلي جزء من أمنها القومي.
فريق العمل حول فلسطين الأميركي رصد الاختراقات الايجابية في واشنطن. وصل الفريق الى خلاصة أن قيام فلسطين الى جانب إسرائيل والعيش بأمن وسلام دخل في صلب الأمن القومي الأميركي وأنه يحظى بإجماع متزايد داخل مؤسسة السياسة الخارجية الأميركية. الفريق أرفق هذه الخلاصة بتوثيق للتصريحات العلنية داخل الإدارة والكونغرس معاً منذ العام 2003 الى الآن.
من حق خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، رفض المفاوضات المباشرة جملة وتفصيلاً، وأن يرى في فشلها ونجاحها معاً كارثة.
سؤال كبير يطرحه الكثير من الفلسطينيين والعرب: ما هو البديل الذي يقدمه مشعل غير شعار المقاومة، في وقت سكت فيه السلاح في إمارة غزة؟ وماذا سيفعل خالد مشعل ومعه حركة حماس إذا انطلق قطار المفاوضات بين دمشق وتل أبيب سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة؟
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00