المعادلة سهلة وبسيطة، إذا كان الرئيس أحمدي نجاد يعتبر أنّ التهديدات الأميركية الإسرائيلية بالحرب ضدّ إيران ليست أكثر من حرب نفسية، فإنّ تهديداته بإزالة إسرائيل ومَن يدعمها أي الولايات المتحدة الأميركية هي أيضاً جزء من الحرب النفسية. المشكلة أنّ الرئيس الإيراني كبّر الحجر إلى درجة لا يمكن حتى قذفه، مما أفقد الحرب النفسية التي يشنّها نوعاً من الواقعية المطلوبة. أول شروط النجاح في مثل هذه الحرب أن تكون قوية البناء وقائمة على وقائع معينة تدفع باتجاه تصديقها وتحوّلها إلى سلاح ناجح في حرب معقّدة.
الرئيس أحمدي نجاد، عيّن مؤخراً مدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي ممثلاً خاصاً له لشؤون الشرق الأوسط. الهدف من هذا التعيين رغبة الرئيس الإيراني في الإشراف المباشر على علاقات إيران مع دول المنطقة، بشكل جدّي وبنظرة مختلفة. بعيداً عن الاشكالية التي أحدثها هذا التعيين سواء مع المرشد آية الله علي خامنئي لتوجّهه الاستقلالي أو مع قسم كبير من المحافظين المتشدّدين، فإنّ توجّه نجاد يعكس إرادته بالإمساك المباشر بالملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط وهي: العراق ولبنان وفلسطين إلى جانب العلاقة مع دول الخليج العربية. المعروف انّ مشائي يحوز على ثقة نجاد الكاملة وهو رجل المهمّات السرّية والصعبة والدقيقة. وهو يتميّز بجرأة تصل أحياناً إلى درجة التهوّر، فقد سبق له وأن قال في تموز 2008: إنّ الشعبين الأميركي والإسرائيلي صديقان للشعب الإيراني. ولذلك لا يستغرب أحد في إيران القول ان مشائي أجرى مباحثات سرّية مع الأميركيين. أقصى ما يحدث صدور نفي، كما حصل مؤخراً مع خبر لقائه بمارتين انديك رئيس إيباك، أقوى اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية والسفير السابق في إسرائيل.
لم يعد خافياً أيضاً أنه توجد توجّهات متعارضة في إيران من التعامل بكل ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. التعارض لم يعد يتعلق برفض الحوار أو قبوله، وإنما في الطرق التي يجب اتباعها على صعيد هذا المسار. إلى جانب ذلك يوجد إجماع إيراني قائم على التزام قومي مهما جرى لفّه برقائق من الفكر والالتزام الإسلامي، بضرورة الحصول من واشنطن على اعتراف رسمي ونهائي بشرعية بموقعها ودورها في المشاركة برسم مسارات السياسات الاقليمية. أي إعطاء إيران دوراً اقليمياً في القضايا الأمنية والسياسية في المنطقة.
النجاح في الوصول إلى هذا الهدف القومي للإيرانيين، يتطلّب عدم السقوط في فخ الحرب. الإيرانيون يعرفون جيداً انهم لا يستطيعون فرض إراداتهم والحصول على مطالبهم بواسطة الحرب، لأنهم لن يكسبوها. أقصى ما يمكنهم الصمود والتضحية بكل البنى التحتية للبلاد. ما نفع إيران إذا لم تُكسر إرادتها ولكنها لم تستطع فرض إرادتها؟ البديل إذاً في هذه الحالة الدخول في مسار الحوار والمفاوضات. القناعة بهذا المسار ليست فقط من جانب الإصلاحيين وإنما أيضاً من طرف المحافظين المتشدّدين. الإصلاحيون يملكون الجرأة ليقولوا ما يؤمنون به علانية ومباشرة. المحافظون يتحايلون على رأيهم العام ليمرروا قناعاتهم. من ذلك ان حشمت الله فلاحت بيبشه عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان كتب في صحيفة رسالت المحافظة المتشدّدة: علينا الحذر من الوقوع في الحرب غير المقدّسة التي يريدها ويسعى إليها الصهاينة، هذه الحرب التي لا تخدم مصالح الدول الاقليمية ومنها مصالح الجمهورية الإسلامية. لا يكفي طبعاً التحذير، النائب المحافظ الإيراني يحدّد الوسيلة لمنع الانزلاق إلى هذه الحرب فيرى أنه:
[ يجب على الجمهورية الإسلامية في إيران انتهاج مواقف منطقية فلا تساعد الصهاينة على بلوغ أهدافهم الرامية إلى خلق أجواء الحرب.
[ مهما تكن علاقاتنا بالدول التي لم تصل بعد إلى المستوى الاستراتيجي فإننا لا نسمح بالدخول نيابة عنها في حرب مع دولة ثالثة.
[ الحرب قد تكون غير مقدّسة إلا أن الدفاع والمقاومة إذا ضربت السيادة الإيرانية من أقدس الواجبات على الإيراني.
أبعد من ذلك، تسرّب أوساط إيرانية يُعتقد انها ليست بعيدة عن أجواء الرئيس نجاد انه رغم القرار 1929 المتعلق بفرض عقوبات دولية على إيران، توجد امكانية لدخول إيران والولايات المتحدة الأميركية في حوار مباشر واستراتيجي من أجل حل القضايا العالقة. أكثر من ذلك، تشير هذه التسريبات إلى انّ انتهاء حالة العداء مع الولايات المتحدة الأميركية تسمح لإيران بالتركيز على:
[ التنمية الاقتصادية للبلاد.
[ خفض كلفة المواجهة الأمنية والسياسية والعسكرية.
يبقى ان الطريقة الوحيدة للدخول إلى حالة الحوار فالمفاوضات، العمل على الخروج من دوّامة الثقة المفقودة، وهذا يتطلب قيام الإدارة الاوبامية بالمجازفة السياسية. طبعاً اليد الواحدة لا تصفق، ومن الطبيعي جداً أنه مثلما تطلب طهران من واشنطن هذا المطلب، سيتوجب عليها المجازفة على طريق تقديم تنازلات مؤلمة.
تزداد ثقة طهران بنفسها وامكاناتها خصوصاً بعد دخولها إلى النادي النووي. لكن تبقى عقدة قبول واشنطن وأوروبا بشراكة إيران في المشاركة برسم المسارات في منطقة الشرق الأوسط، كبيرة جداً إلى درجة الشك في تجاوزها أو حلّها. مكالمات الرئيسين جورج الأب وفرنسوا ميتران قبل وبعد حرب عاصفة الصحراء تؤكد على أمرين:
[ رفض احتلال الرئيس صدام حسين للكويت يقوم على الخوف من أن تخوّله السيطرة على ثروات نفطية ومالية تقلب الحالة الجيوستراتيجية رأساً على عقب.
[ ان ضرب العراق قد ساهم في إضعاف الخطر الذي كان محدقاً بإسرائيل.
السؤال الكبير هل قررت واشنطن الانقلاب على معادلة عدم القبول أو السماح لأي لاعب اقليمي في قلب الحالة الجيوستراتيجية في المنطقة حتى تقبل بإيران شريكاً في رسم مسارات المنطقة؟ علماً ان القبول باستثناء قد يحوّله إلى قاعدة في منطقة يوجد فيها أكثر من لاعب اقليمي طموح، أيضاً هل يمكن لواشنطن وأوروبا الانقلاب على إبقاء إسرائيل قوية خصوصاً انه إذا ما تحوّلت إيران إلى شريك مما يشكّل ذلك إضعافاً مباشراً لإسرائيل؟
الاستحقاق الأول والكبير لمعرفة حقيقة التوجهات الأميركية الأوروبية في اللقاء بين مجموعة الخمسة + واحد مع إيران في نهاية هذا الشهر، حتى ذلك كل ما يحصل مجرّد تقطيع للوقت الضائع.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.