2 تشرين الثاني صدر وعد بلفور بإنشاء دولة لليهود في فلسطين. تجند اليهود في أنحاء العالم، وجندوا معهم كل من استطاعوا اليه سبيلاً، وجمعوا المال والرجال، ووضعوا استراتيجية تمزج بين السياسة والسلاح، حتى قامت اسرائيل في 15 أيار 1948. 31 سنة، شن خلالها اليهود الحروب بجميع أنواعها. حولوا المحرقة التي ارتكبها النظام الهتلري النازي الى سلاح رادع وخارق. ردوا به المترددين في قبول قراءتهم للتاريخ، وخرقوا كل المجتمعات الغربية به ودفعوها الى عملية تأنيب للضمير لم يحصل مثلها حتى اليوم في العالم. وبلغ من شطارة اليهود ومؤسساتهم لآثار المحرقة التي لا شك بأنها كانت جريمة ضد الانسانية بتحويلها الى بئر من المال لا ينضب، قامت دول ومؤسسات كثيرة بالتعويض على اليهود مباشرة الى دولة اسرائيل.
لا جديد في كل هذا السرد التاريخي الذي قد نساه العرب أو يتجاهلونه. العقدة الأساسية في كل هذا المسار ان اليهود ومؤسساتهم وأحزابهم عرفوا كيف يضعون السياسة في خدمة الحرب والحرب في خدمة سياستهم.
24 أيلول 2010 صدر وعد أوباما المعاكس لوعد بلفور. لا يهدف هذا الوعد الى إلغاء ما سبقه، بالعكس يثبت كل ما جرى، ويعمل للتأسيس والبناء الى جانبه. الرئيس الأميركي باراك أوباما، لم يكتف كما حصل في السابق حتى مع بيل كلينتون أو جورج بوش بالتحدث في البيت الأبيض أو في حفل محدود عن وجوب قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. باراك أوباما التزم بإقامة دولة فلسطين في برلمان العالم بحضور كافة أعضائها ما عدا العضو الاسرائيلي. لقد أدرك الاسرائيليون أهمية وخطورة الوعد الأوبامي، فانسحبوا تحت غطاء حجة دينية.
الوعد الأوبامي
بصراحة ووضوح لا مجال لأي لبس فيها جاء وعد أوباما. قاعدة هذا الوعد وإطاره اقامة دولة فلسطينية جديدة مستقلة وذات سيادة عضواً في الأمم المتحدة. الكلام الأساسي وجهه أوباما الى الاسرائيليين قال لهم: ما لم يعرف الفلسطينيون الكرامة والكبرياء اللذين يرافقان دولتهم الخاصة، لن تعرفوا الطمأنينة والأمن اللذين يرافقان وجود دولة جارة مستقرة وذات سيادة ملتزمة بالتعايش المشترك. بهذا ربط أوباما نهائياً بين السلام والأرض، بين الطمأنينة والكرامة.
ذهب أوباما أبعد من ذلك. بعد أن شدد على أن بلاده ستتصدى لأي محاولة للمسّ بشرعية اسرائيل دعا أصدقاء اسرائيل الى أن يفهموا أن الأمن الحقيقي للدولة اليهودية يتطلب وجود فلسطين مستقلة تسمح للشعب الفلسطيني بالعيش بكرامة. وباختصار طالب أصدقاء اسرائيل وعلى رأسهم بلاده وخصوصاً الشعب الأميركي بتحويل اقامة دولة فلسطينية عملية ضرورية وتعبيراً مباشراً عن تعلقهم باسرائيل. هذه دعوة أوبامية للغرب أولاً للانخراط فعلياً وعملياً في دعم خطة لإنشاء دولة فلسطينية بسرعة، اذ شدد على انه في خلال سنة يمكن تحقيق هذا الانجاز، اذا التزم الجميع وفي مقدمتهم الفلسطينيون والاسرائيليون.
لا شك ان 62 سنة من الصمود الفلسطيني والمقاومة اليومية بالسلاح والحجر معاً، أجبرت العالم على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بالعيش في دولة وبكرامة. أيضاً فإن تحول الظلم اللاحق بالشعب الفلسطيني الى مولد انشطاري لا يتوقف لكل أنواع العنف أحدث انقلاباً في طريقة تعامل الغرب مع منطقة الشرق الأوسط. أوباما أصدر وعده لكنه لم يقم بانقلاب من الفراغ. لقد جاء في الوقت المناسب ليقول كلمته ويدخل التاريخ.
لقد بلور أوباما نهجاً في التعامل مع الصراع العربي الاسرائيلي. الواقعية السياسية لعبت دوراً أساسياً في كل ما حصل ويحصل. عملية التحضير لهذا التغيير بدأت باكراً وببطء وثبات.
*عام 1956 طلب الرئيس ايزنهاور من فرنسا وبريطانيا واسرائيل الانسحاب من الأراضي المصرية. وتم تنفيذ طلبه. لم يفعل ايزنهاور الذي كان يملك شرعية تاريخية وسياسية ذلك من أجل مصر ولا جمال عبد الناصر ولا انتصاراً لدولة من العالم الثالث في مواجهة هذه الترويكا. المصالح القومية الأميركية دفعته الى هذه المواجهة. اراد ايزنهاور التعجيل في عملية وراثة الولايات المتحدة لكل من فرنسا وبريطانيا. كان يجب أن يتقدم العالم الجديد ليحل مكان العالم القديم، وقد حصل ذلك بسرعة ملحوظة.
1 أيلول عام 1991 أقنع الرئيس جورج بوش الأب الكونغرس تجميد ضمانات القروض لإسرائيل، وقد حصل طوال سنوات ان خفضت واشنطن الضمانات بما يوازي ملياراً وثلاثمائة مليون دولار من هذه الضمانات أي ما يعادل ما كانت اسرائيل تنفقه على المستوطنات.
فاجأت الادارات الأميركية اسرائيل مراراً بقرارات اساسية تعنيها ومنها: مشروع روجرز عام 1969، والاتفاق مع الاتحاد السوفياتي عام 1977 بشأن الاقتراحات لحل النزاع العربي الاسرائيلي وخطة ريغان الأولى عام 1982، وبداية الحوار في حركة فتح عام 1988 في تونس.
التطور الأبرز في الادارة الأوبامية القناعة القائمة حالياً في قلب المؤسسة العسكرية الأميركية التي تخوض ثلاثة حروب دفعة واحدة وهي الحرب ضد الارهاب وأفغانستان والعراق رغم انسحاب القوات القتالية. قال الجنرال بترايوس في شهادته امام لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ ان التقدم نحو السلام الشامل في الشرق الأوسط لا يجري بصورة كافية، ان التوتر بين الاسرائيليين والفلسطينيين يتطور أحياناً كثيرة الى أعمال عنف ومواجهات مسلحة على نطاق واسع. كما يساهم هذا النزاع في زيادة العداء لأميركا في ظل النظرة السائدة بأن الولايات المتحدة داعمة لإسرائيل.
بعد نحو تنتهي فترة تجميد اسرائيل لبناء المستوطنات. أوباما طالبها بعد أن أشاد بالرئيس الفلسطيني محمود عباس بتمديد هذه الفترة. أوباما ينفذ سياسة ذكية، بدلاً من أن يقف وحده في وجه اسرائيل، يعمل على وضع العالم في وجهها. معرفة أوباما بقوة اللوبي اليهودي دفعته الى تنفيذ هذه السياسة الذكية.
الفلسطينيون أمام امتحان مصيري. يدركون تاريخية هذا الوعد ويتعاملون معه بايجابية حتى تنكشف اسرائيل أمام الرأي العام الأميركي أولاً والعالمي ثانياً، أو يتابعون رفضهم المرتبط بمصالح اقليمية أبعد وأهم من مصيرهم فيخسرون حقهم بالمنافسة فلسطينياً فلسطينياً هو حق مشروع خصوصاً اذا كان الهدف منه بناء استراتيجية فلسطينية مستقلة.
يبقى ان باراك أوباما، دخل عين الاعصار.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.