20 شباط 2020 | 20:50

منوعات

عمر الزعني..في ذكرى رحليه، نستحضر تأريخه الفني- النقدي للحاضر المؤلم!!!

عمر الزعني..في ذكرى رحليه، نستحضر تأريخه الفني- النقدي للحاضر المؤلم!!!
المصدر: زياد سامي عيتاني
الجزء(٢): مواجهة الإنتداب.

زياد سامي عيتاني*

السّياسة ما إلها دين،

وبتتمايل شمال يمين،

هي سِرّ الكذابين،

هي روح الظالمين،

يوم عازتهم بييجونا،

على روسهم بيحطّونا،

لوز وسكّر بيطعْمونا،

لبعد العازة بيهملونا،

وسط السّكّة بيقطعونا،

بيبيعونا بيشترونا،

قال مباديهم شريفة،

قال نواياهم عفيفة،

للمالك الضعيفة،

كل دعاويهم سخيفة،

كل نواياهم مخيفة،

والمعاملة اللّطيفة،

في سوريا أو فلسطين،

كله تجليط ودعاية،

كل دولة وإلها غاية،

كلهم بالوِش مراية،

وفي الزّوايا في خبايا،

وفي الخبايا سوء نوايا،

في بلايا في رزايا،

في خوازيق وأسافين...

هذه القصيدة التي كتبها عمر الزعني في العام ١٩٤٦، والتي عبرت بوضوح عن مفهومه للسياسية، رغم مواقفه الوطنية المشهودة خلال مرحلتي الإنتداب والإستقلال، جعلته يكتسب لقب "شاعر الشعب" عن جدارة وإقتدار صادقين، لأنه من خلالها وما سبقها وما تبعها رسم لنفسه حداً فاصلاً بينه وبين الطبقة السياسية، معلناً إنحيازه للشعب، خلافاً لكثير من الشعراء الذين كان جلَّ طموح عندهم أن يكونوا شعراء البلاط وناطقين بإسم الحاكم و/أو السلطة، علماً أنه كانت تربطه صداقات متينة مع عدد من الزعماء الساسيين...

•بلا عصبة، بلا مجمع:

سوف نتناول في هذا الجزء مواقف الزعني من خلال قصائده ومونولوجاته التي واجه بها على طريقته وبأسلوبه النقدي اللاذع سلطات الإنتداب، عقب إنتهاء الحرب العالمية الأولى أوزارها، حيث كان له موقف مما آلت إليه الأوضاع، في ضوء إعلان الدول الكبرى عن إنشاء "عصبة الأمم"، لتتحول لاحقاً "منظمة الأمم المتحدة"، فكانت له هذه "الطقطوقة المعبرة":

بلا عصبة لا مجمع،

كل واحد إلو مطمع،

والحق بإيد القوّة،

والقوّة ببُوز المدفع...

كل واحد إلو غاية،

وعامل المَجمع برداية،

كلّهم بالوشّ مراية،

وبالقَفا الله أعلم...

لا تغترّ بالظواهر،

العبرة للسراير،

كلّ واحد صالي وناطر،

وفاتح تُمّه تا يبلع...

•الدنيا قايمة والشعب غافل:

وفي نفس الوقت آلمه أن يرى الشعب غير مكترث للتحولات الجذرية، في وقت يتلهى بقضايا سطحية، فنظم قصيدة من وحي المناسبة، جاء فيها:

الدنيا قايمة والشعب غافل،

راحت بلادكم ما حد سائل،

الحق عليكم والا عا مين،

شوفوا البلايا شوفوا الرزايا،

والشعب قايم على الملاية،

نسيوا الحماية نسيوا الوصاية،

ما حدا فاهم ايه الحكاية،

والطاسة ضايعة يا مصلحين،

عيونكم نايمه يا رجال غليظه،

ودمي فاير زي الكازوزة...

قمتوا عا حيلكم على العنطوزة،

وهمتكم رخوة زي البالوظة،

بتبيعوا الاوطان بسلة تين،

منكم ومنا ظهرت شناعه،

زدنا خلاعه زدتوا فظاعة،

على المسكينة فرجوا الشجاعه،

فرجونا حالكم يا اهل البراعه،

في حفظ بلادكم يا مدعين،

العيب ما هو شي عاللي لابسه،

الكعب العالي وكمان الكورسه،

العيب على اللي اطباعه شرسه،

العيب على اللي اخلاقه نحسه،

وعامل لي حاله امام في الدين،

ان كان في مرادكم تأدبونا،

لا تبهدلونا لا تعزرونا،

اخلاق بلادنا عليها ربونا،

الى المدارس يللا ودونا،

الجهل يا ناس دا قلة دين،

كل البلية من الاجانب افتروا علينا زي الثعالب،

بيفرقونا شوفوا المصايب بيعلمونا كل المعايب،

قوموا عليهم يا مصلحين...

•وجهاً لوجه مع المفوض السامي:

ومن واحدة من إنتقاداته اللاذعة والجريئة لسلطة الإنتداب الفرنسي كانت يوم أنشد مع فرقته الموسيقية بقيادة الأخوين فليفل في فندق صوفر الكبير أمام المفوض السامي الكونت دي مارتيل وبطريقته الألمعية والبالغة الذكاء والدهاء مونولوجاً هاجمه فيه بطريقة مبطنة، فقال فيه:

دي مارتيل سبع الليل،

نجانا وحمانا،

وخلصلنا من هالويل،

يحيا الكونت دي مارتيل،

الإصلاح غرامو،

والعمران مرامو،

أغلى من الدر كلامو،

عدل وإنصاف أحكامو،

شفنا الخير بإيامو،

عدل وإنصاف أحكامو،

زاد الوزن وطفح الكيل!

يحيا الكونت دي مارتيل!

-إشارة إلى أن العامة في بيروت كانوا يطلقون على الجرذال تسمية "سبع الليل"(!)

وقبل ذلك كان له أيضاً مونولوجاً يخاطب فيه أدوات وعملاء الإنتداب قال فيها:

فتح عينك أنا مش منهم،

دول الجماعة إللي بتعرفهم،

أنا مش منهم...

•طار الدستور وإنكشف المستور:

وعندما أحالت سلطة الإنتداب الفرنسي دستوراً معداً سلفاً من قبلها إلى المجلس النيابي لإقراره، نظم عمر الزعني القصيدة التالية:

طــار الدستور. انكشف المستور،

وركز المـكسور والخــطر زال،

اجتمع المجلس وحكم الــريس، حكم كويس وراقت الأحوال،

وقــع المقـدرو. طار الدســتور،

انكشف المسـتور والخـطر زال،

بــرم الـدولاب.طارو النواب صفــوا عـالباب أولاد الحلال،

بضربة مهموز. راس العنطوز، وخيمة كركوز. طاروا بالحـال،

طاروا الوزرا خفّــوا المــدرا عـاشوا الفقرا راقـت الأحوال،

انحـلّ الـمجلس ـ حـل كويس، وارتــاح الريـس وارتـاح البـال،

فجـر الاصلاح ـ شقشق ولاح والشعب ارتـاح من القيل والقال،

طلـع المـرسوم انتـصف المظلم، تبرّى المتهوم. انكمــش المحــتال،

الخــير ازدد انتعــشت البــلاد، والعــدل ســاد صليب وهــلال...

•بدنا بحرية يا ريس.. دباس:

عندما إكتشف عدم قدرة الرئيس شارل دباس يحكم البلاد بمعزل عن سلطة الإنتداب، رغم إقتناعه بوطنيته وحسه الإستقلالي خاطبه على طريقته بأغنية مميزة جداً ومحبوكة بأسلوب فريد يجمع ما بين الرقي والتورية ذات الدلالات العميقة، حملت عنوان: "بدنا بحرية يا ريس". وهي نفسها التي إقتبصها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وأداها المطرب وديع الصافي، بعد تغيير الكلمات، وحملت عنوان: "عنا بحرية يا ريس".

وفيما يلي كلمات الأغنية التي خاطب بها الزعني الرئيس دباس:

بدنا بحرية يا ريّس،

صافين النيّة يا ريس،

بزنود قوّية يا ريس،

ايداً ما تحلّس يا ريس،

البحر كبير يا ريس،

بحرية حمير يا ريس،

فرحان كثير يا ريس،

لأنك ريس يا ريس،

الريح معاكس يا ريس،

الخشب مسوّس يا ريس،

فرحان ومسرغس يا ريس،

لأنك ريس يا ريس،

راح نغرق فوندو يا ريس،

وفرنكو بوردو يا ريس،

ومعنطز بردو يا ريس،

لأنك ريس يا ريس...

علماً أنه قبل ذلك سبق وأشاد بالرئيس الدباس، حينما خصص له قصيدة يوم كان يراهن عليه في أن يتمكن من أن يتحرر من نفوذ وقبضة الإنتداب الفرنسي، وجاء في تلك القصيدة:

يا هو يا ناس شو عمل الدباس،

لا باع بلاده ولا خسر الناس،

ست سبع سنين حكم مسكين،

لا خالف مذهب ولا غير دين،

ولا هدم شارع ولا بنى جامع،

خدم أوطانو بقدر إمكانو،

حسب ضميرو حسب وجدانه،

عمل بأصلو ما ورث أهلو،

ولا طول ايدو ولا عبّى كياس!

وفي موازاة مواقفه الوطنية المباشرة المنددة بالإنتداب، فإنه تصدى أيضاً وبأسلوبه الساخر المعهود من ظاهرة ال "الفرنجة" التي إعتبرها شكلاً عن أشكال الإنتداب الإجتماعي، فنظم قصيدة مغناة ينتقد فيها "البرنيطة"، التي هي من وجهة نظره غزو لعاداتنا وتقاليدنا الإجتماعية تلمعتادة، فقال فيها:

ما بدها عيطة ولا بدها شيطة،

وقع المقدّر ولبسنا البرنيطة،

قبل بعشر سنين كنّا فلّاحين،

كنّا مرتاحين قبل البرنيطة،

يا ما تمدّنّا، يا ما تقدّمنا،

يا ما تعلّمنا بعد البرنيطة،

العين بتبكي والقلب بيشكي،

ومين قادر يحكي، غير البرنيطة،

سلّمها لألله، ومشّيها يا لله،

ما في غير الله، فوق البرنيطة،

ما منها نوا، حتى نعيش سوا،

ونسمة هوا بتطير البرنيطة...

-يتبع: أعماله خلال مرحلة الإستقلال.

*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

20 شباط 2020 20:50