رحل الشاعر اللبناني صلاح ستيتية ( 1929ــ 2020) أو كم أحب أن يوصف بلسان أدونيس«شاعر عربي يكتب الفرنسية»
يعتبر ستيتة أحد أشهر الشعراء العرب الذين يكتبون باللغة الفرنسية وترجمت قصائده إلى لغات عالمية عدّة.
نال شهادة الحقوق من «الجامعة اليسوعية» في بيروت، قبل الالتحاق بجامعة «السوربون» في باريس.
وصل ستيتية إلى الشعر متأخراً، في الأربعينيات من عمره، لكنه حقّق نجاحاً منذ صدور باكورته الشعرية «الماء البارد المحفوظ» (1972).
في شعره وقصائده تتلاقى تأثيرات شعراء فرنسيين كبار مثل مالارميه ورينيه شار وآخرين، مع تأثيرات مشرقيّة وصوفيّة.
درس عند المستشرق لويس ماسينيون، متخصصاً في سوسيولوجيا الإسلام من خلال الروحانية عند الحلاج وابن عربي.
تعرّف إلى أندريه بروتون، وسيوران ورينيه شار وإيف بونفوا وجورج شحادة. أثّرت كتاباته بالفرنسية على حضوره لدى القرّاء العرب فلم ينل حقّه هنا، رغم ترجمة دواوينه مثل «حمّى الأيقونة وشفاؤها» (رواد طربيه)، و«قراءة امرأة» (مصباح الصمد).
كما عرّب المترجم العراقي كاظم جهاد مختارات من شعره. بدوره، قام ستيتية بترجمة قصائد لبدر شاكر السياب وأدونيس وجبران خليل جبران إلى الفرنسية. خلال رحلته الطويلة في الشعر، نال أهم الجوائز مثل «ماكس جاكوب»، و«الجائزة الكبرى للفرنكوفونية» عن مجمل مؤلفاته، وجائزة مهرجان الشعر الدولي، كما أُضيف اسمه إلى معجم «لاروس» الشهير.
شغل ستيتية مناصب ديبلوماسية عدّة عمل فيها مستشاراً ثقافياً في السفارة اللبنانية، ومندوباً في منظمة الأونيسكو، وأميناً عاماً لوزارة الخارجية اللبنانية.
وإليكم مقابلة أجرتها معه صحيفة الحياة في 14 أيار 2014
بعنوان: صلاح ستيتية يعرض متحفه للبيع في مزاد (قبل الرحيل)
في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، تطرح في المزاد العلني في صالات «دروو» في باريس مجموعة فنية كبيرة يمتلكها الشاعر اللبناني باللغة الفرنسية وسفير لبنان السابق صلاح ستيتية (1929). وسيشرف على هذا المزاد وزير الثقافة السابق ورئيس معهد العالم العربي حالياً جاك لانغ. وقبل حلول هذا الموعد المرتقب، تحول هذا المزاد الى حدث ثقافي يتم تداوله في الأوساط الثقافية الفرنسية، حتى أن صحيفة «لوفيغارو» خصصت له مقالاً مطولاً.
تتألف مجموعة صلاح ستيتية الفنية الخاصة من أكثر من 300 قطعة (لوحات ورسوم منحوتات وكتب فنية وصور)، وهي لعدد كبير من الفنانين والخطاطين المعروفين من الشرق والغرب على السواء. ومن هؤلاء أليشينسكي، فييرا دا سيلفا، أغوستي، كوكتو، كورناي، فالس، أوباك، زاووكي، بلتزار... ومن الفنانين والخطاطين العرب شفيق عبود، فريد بلكاهية، حسين ماضي، عارف الريس، محمد سعيد الصكار، رجا مهداوي، المسعودي...، نجد كتباً فنية مشتركة تشهد تزاوجاً رائعاً ومتكاملاً بين لغة الشعر ولغة الرسم. يبلغ عدد هذه الكتب الفنية حوالى 150 كتاباً جمعت بين الشاعر والفنانين على امتداد الستين سنة الماضية وهي خلاصة حوار بين الشعر والفن وبين الشرق والغرب.
ومن المعروف أن صلاح ستيتية عقد علاقات صداقة قوية مع عدد من هؤلاء الفنانين وبعضهم ذو سمعة عالمية. وفي طليعتهم أليشينسكي منذ ربع قرن، وهو يقول عنه إنه جسد أحد العلاقات الحاسمة في حياته، ويعتبره فناناً حقيقياً في زمن اختلطت فيه المعايير. وفي كلمة نقرأها في الكتالوغ المخصص للمزاد كتب ستيتية: «تطالعنا الألوان في عينيه وفي يديه. خطوطه لينة ومنسابة، قادرة على التقاط موسيقى الأشكال». وعن النحات اللبناني شوقي شوكيني يقول إنه «صارم ودقيق في عمله، يغوص في إمكانات المادة ويطوعها وفق إيقاع مركز ومدروس».
يقول الشاعر صلاح ستيتية في مقدمة الكتالوغ المخصص لهذا المزاد وتحت عنوان» تشتيت مبدع»: «أحببت كثيراً الفنانين، من رسامين ونحاتين وخطاطين، وتجولت ببصري في أشكال وألوان أعمالهم، ما منحني عالماً آخر إضافياً غير عالمي». ويضيف: «تجولت في هذه العوالم الرحبة والمتعددة، المرئية والمخفية منها، أكثر من تجوالي في قارات الأرض كلها». وبالفعل، فإن المجموعة الفنية المعروضة للبيع تشبه الشاعر ستيتية وتَوَزُّعه بين الشرق والغرب، فمثلما اعتنى بالشعر والكتابة اعتنى أيضاً بالفن والفنانين وخصص لهم أبحاثاً صدرت في الكثير من كتبه.
يبقى السؤال: لماذا سيُقْدِم ستيتية على بيع مجموعته الفنية الخاصة؟ يقول لـ «الحياة»: «أصبحت رجلاً مسناً. في نهاية هذا العام أبلغ الخامسة والثمانين من العمر. مئات من القطع الفنية والكتب النفيسة سأتركها وستتركني. قبل الرحيل أردت أن أرتب أموري بالنسبة لهذه القطع التي اشتريتها أو أُهديت لي وأنظر إلى جميع هؤلاء كإخوان في العبقرية والعطاء والمسؤولية الفنية».
في هذا المجال، يخبرنا ستيتية أنه كان أول كاتب باللغة الفرنسية يفرض على الناشر أن يكون رفيق مسيرته في كتاب خطاط عربي أو خطاط فرنسي. وذلك منذ الستينيات من القرن الماضي.
نسأل صلاح ستيتية: ألا تخشى أن تتبعثر هذه المجموعة التى جمعتها طيلة كل هذه السنوات؟ فيجيب: «لو شرفتني بزيارة في بيتي ستجدين أنني لا أزال أحتفظ بلوحات ومنحوتات كثيرة. لكن صحيح أيضاً أن القسم الأكبر من الأعمال التي أنجزتها مع أصدقائي الفنانين سيباع. وأنا أفضل أن تباع هذه القطع وأنا حي من أن تباع بعد رحيلي، لأني لا أعرف من سيكون الشخص الذي سيتكلف بهذه المهمة وما إذا كان قادراً على القيام بها».
لكن ألم يكن بالإمكان إذاً إيداع هذا المقتنيات لكي تعرض في مراكز ثقافية كبيرة في باريس كـ «مركز جورج بومبيدو» مثلاً؟ يقول صلاح إن مثل هذا المشروع يتطلب معاملات إدارية معقدة وكثيرة، وهو لا يريد أن يخصص آخر أيام حياته في هذه المعاملات، وأن لا وقت لديه إلا للكتابة وللعطاء الشعري والنثري، وأن مذكراته ستصدر في آخر هذا الصيف عن دار «روبير لافون» الفرنسية، و ستصدر له سبعة كتب فنية جديدة هذا العام.
المزاد العلني لمجموعة صلاح ستيتية الخاصة يأتي بعد عام من عرضها في متحف «بول فاليري» في مدينة «سيت» جنوب فرنسا طيلة أربع أشهر. ثم في «مكتبة فرنسا الوطنية» حيث جرت بالمناسبة ندوة حول نتاج الشاعر ومسيرته الإبداعية.
أبعد من المزاد العلني الذي سيقام بعد أيام قليلة حول أعمال فنية متنوعة يقتنيها صلاح ستيتية، تبقى علاقة هذا الشاعر مع الفن مسألة لا تخضع لمزاد ولا لمساومات من أي نوع كان، ففي قصيدة وردت في الكتالوج لترافق الأعمال المعروضة للبيع ما يعبّر عن نظرة الشاعر للّوحة والفن: «لا أحد أمام اللوحة /
وراءها توجد الأرض /
عمياء ، سوداء، خضراء، عمياء/
الأرض وحدائقها.
حدّة الألوان تتجاوز الأسود /
تنفذ من اللّوحة ممزَّقة ممزِّقة/ صافية/
قِوى وخِرَق./ خِرَق قوّة/ أنتولوجيا/
برهة من الزمن أجزاء من مدى/ والعكس أيضاً:/
برهة مدى أجزاء من الزمن، أحدهما يخيط الآخر.