صحافة بيروت

‏ الرسائل العونية إلى واشنطن

تم النشر في 27 أيار 2020 | 00:00

يبدو أن "الأمعاء السياسية" لمكنونات وأفكار الفرقاء السياسيين اللبنانيين أخذت تخرج من ‏موضعها. خلال قرابة أسبوع ظهرت على المسرح السياسي أفكار يلغط بها ضمناً بعض الفرقاء ‏الذين ينتظر كلّ منهم الظرف المناسب لطرحها، فيما بدأ البعض الآخر يكشفها إلى العلن، وأقلها ‏الفيدرالية‎.‎

جديد الانكشاف في سجال الحليفين، "حزب الله" وبالتالي الثنائي الشيعي، وفريق "التيار الوطني ‏الحر" أنه لم يسبق أن حصل بهذه الحدة، منذ ورقة التفاهم في 6 شباط 2006‏‎.‎

ومع أن لا دلائل تشير إلى أن هذا الانكشاف سيتخطى سقف التفاهم والتحالف، بين الفريقين، لأن ‏ليس عند أي منهما خيارات بديلة جاهزة لتحالفات مناقضة، فإنه لم يعد ممكناً التقليل من أهمية ‏اهتزاز العلاقة بينهما. وعلى حراجة الاهتزاز هذه المرة، فإنه ليس الأول ولن يكون الأخير، إلى ‏أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً‎.‎

على رغم أن "حزب الله" لم يدخل السجال العلني كما فعل العونيون، كأن يقول أحد نوابهم أن ‏على الحزب أن يختار بين السلاح وبين الجوع، وأن على المقاومة أن تقف ضد الفساد، أو أن ‏يقول آخر إذا كانوا يتهموننا بأننا نتدخل في القضاء فنحن سنتهمهم بقتل رفيق الحريري، إلا أن ‏الردود جاءت من قطب الثنائي الشيعي رئيس البرلمان نبيه بري، ومن خطبة عيد الفطر للمفتي ‏الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان. فالأول حذّر من أفكار الفيدرالية التي يرى أنها تقف وراء ‏الإصرار على بناء محطة ثالثة للكهرباء في منطقة سلعاتا في قضاء البترون، والثاني رأى أن ‏صيغة الميثاق الوطني سقطت، موحياً بشتى الاحتمالات، ومنها العودة الى صيغة الأكثرية ‏العددية... تحت عنوان إقامة دولة المواطن بدلاً من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين. صحيح ‏أن جهات شيعية نافذة أسرّت لبعض المراجع بأن كلام المفتي "شخصي ولا يمثل إلا نفسه"، لكن ‏الصحيح أيضاً أن "التيار الحر" أسرّ لمراجع بأن جمهوره المسيحي بات لا يحتمل موقف الحليف ‏المنحاز إلى خصوم "التيار" (مثل سليمان فرنجية) من جهة، ولأن هذا الجمهور يتبرم من أن ‏توجهات الحزب ساهمت في الحصار الأميركي العربي على لبنان، وفي تعميق الأزمة ‏الاقتصادية المالية، من جهة ثانية‎.‎

يذهب بعض الأوساط إلى أبعد من التفسير القائل بأن "التيار العوني" لا يريد الانفصال عن ‏الحزب الآن، وأنه يحتاط إزاء احتمال أن تشمله عقوبات قانون "قيصر" الأميركي، على التعامل ‏مع النظام في سوريا، سواء مباشرة أو عبر التحالف مع الحزب، والذي يبدأ تنفيذه الأسبوع ‏المقبل. إحدى الرسائل أن التيار يستعيد الموقع الذي كان فيه الرئيس ميشال عون ومعه جبران ‏باسيل، حين أقر قانون محاسبة سوريا الذي أيّده الأول بزيارة إلى الكونغرس الأميركي العام ‏‏2003، وكان من التمهيدات للانسحاب السوري الذي حسمه اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ‏يجري إبلاغ واشنطن بأن لا خروج عن روحية تلك المرحلة حين صرح عون بأن لا سلاح لأي ‏حزب خارج الدولة، وبأن ظروفاً أملت تعاوناً معه لأن واشنطن لم تنجح في الحد من دوره، ‏فضلاً عن أنها ساهمت في وصول الجنرال إلى الرئاسة. يترتب على الرسائل العونية التزامات ‏أولها ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل‎.‎

المراهنة هي على تعويم باسيل كمرشح رئاسي بعد أن أبعدته تطورات الأشهر الماضية عن هذا ‏الموقع أكثر بكثير مما يعتقد‎.‎



نداء الوطن – وليد شقير ‏