لم ينحرف البطريرك الراعي عن طريق فلسطين. لكنهم حرّفوا مقاصده خدمة لمقاصدهم.
ولأنهم يرفضون الإقتراب سلباً من علاقاتهم بإيران، هاجموا فكرة الحياد، وقطعوا يقين سيد بكركي، باستثناء العدو الاسرائيلي من حياده، بالتشكيك... فقوّلوه ما لم يقل.
من المؤكد أن صاحب الغبطة، لن يتقمص دور الحكيم الراحل جورج حبش. إلا أنه، بالتأكيد أيضاً، لن يسمح للبنان أن يدير لإسرائيل خده الأيسر، إذا صفعته على خده الأيمن.
ترى ما هو الحياد الذي دعا إليه الراعي، والذي أثار كل هذا الغضب المقاوم؟.
بالرجوع إلى القواميس العربية، فإن الحياد والنأي بالنفس وعدم الإنحياز، هي ثلاثة مصطلحات لمفهوم واحد.
وكي لا يكيل كيّالوا التهم بمكيالين، نسأل إذا كان يتجرأ أحدهم، مهما علا شأنه وارتفع إصبعه، أن يتهم جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو وجوزيف تيتو بالخيانة، لأنهم أسسوا كتلة دول عدم الإنحياز؟.
صحيح أن الفارق كبير جداً، بين حجم العظماء الثلاثة، وبين حجم عظيم بكركي، سواء من حيث الدور الأممي، أو المكانة التاريخية، أو التأثير الشعبي. لكن الخيانة أو عدمها لا تقاس بالأحجام.
ولما كان ناصر ونهرو وتيتو، يشكلون أشرف وأشرق مرحلة في ذلك الزمن، فقد اختاروا عدم الإنحياز لتحرير العالم الثالث من التبعية للغرب الإستعماري، ولإنقاذه من مصيدة الإتحاد السوفياتي وكمائن السيطرة المتسللة بأفكار مبهرة ووعود جذابة.
نذكر أن الساحات العربية استجابت بقوة لعدم الانحياز، وعمّت في أرجائها أعظم شعارات ذلك الزمن: لا شرقية ولا غربية.
وبقياس متواضع، هذا ما يحاول أن يفعله البطريرك الراعي.
حياد يُخرج لبنان من فخ المحاور ومخاطر الإملاءات المشبوهة.
في عيد ثورته، سيدة الثورات، نُذكّر الذين يهاجمون حياد لبنان، بأن عدم انحياز جمال عبد الناصر، لم يمنعه من مقاومة العدوان الثلاثي في العام 1956، المتمثل بفرنسا وبريطانيا والعدو الإسرائيلي. ولم يمنعه من إخراج اليمن من كهوف التاريخ. ولم يمنعه من شن حرب الإستنزاف، التي كانت سبباً في حرب العبور ونصر إكتوبر.
أما وقد بدأت فكرة الحياد تمتد شعبياً، فلا بد من أن تشمل الداخل، ولا تقتصر على العلاقات الخارجية.
لا بد من حياد القضاء عن رغبات فخامة الرئيس. بحيث لا يلغي المجلس الدستوري آلية التعيينات الصادرة عن مجلس "سيد قراره"، حفاظاً على آلية تعيينات جبران باسيل وقراره السيد.
لا بد من الحياد بين حكومة دياب والفشل.
لا بد من الحياد بين عهد "الستريبتيز" وخلع الدستور قطعة قطعة.
لا بد من الحياد بين الإنجازات والكذب.
لا بد من الحياد بين الدعوة إلى "الهيركات" على أموال المودعين والاستمرار في "الهدر بلا كات" على سد بسري.
لا بد من الحياد بين انقطاع التيار الكهربائي وعدم انقطاع دعم شركة الكهرباء.
لا بد من الحياد بين إصرار الحكومة الديابية على عدم الاستقالة... وإصرار لبنان على أن لا إنقاذ إلا بالإستقالة.
خلاصة القول:
حيدوا عن طريق لبنان... والحياد كفيل بانتشاله.
حديث الإثنين- وليد الحسيني