وليد الحسيني -حديث الإثنين
رغم أن سليم جريصاتي يحترف تقديم مبررات الإستخفاف والإلتفاف على الدستور، إلا أنه لم يبلغ مستوى جبران باسيل في تقديم المبرر، الذي لا يحتاج من بعده القصر الجمهوري إلى مبررات أخرى.
الصهر، المبحر في العلوم الدستورية، اكتشف أن الدستور اللبناني "نتن وعفن"... وبذلك يكون قد أعطى عمه مبرراً مفتوحاً لا يقبل الاعتراض على أي خرق لدستور أثبت باسيل نتانته وعفونته.
إذاً، بعد هذه الفتوى العبقرية الشاملة، لم يعد الرئيس بحاجة إلى فتاوى جريصاتي، التي أصبحت لزوم ما لا يلزم.
اليوم يستطيع سيد القصر، متكئاً على تعرية الصهر "للدستور الموبوء"، أن يلعب به في شيخوخته، تماماً كما كان يلعب "اليويو" في طفولته.
فخامته، وقبل أن يمنحه حزب الله لقب الفخامة، أنكر الدستور مبكراً، ومبكراً تحوّل إلى ديكتاتور.
مارس الديكتاتورية فور أن ارتكب الرئيس أمين الجميل جريمة عمره، عندما كلفه في الساعة الأخيرة من ولايته برئاسة الحكومة.
أولى خطواته الإستبدادية، كانت وضع نواب المناطق المسيحية في الإقامة الجبرية، ومنعهم من الاجتماع بزملائهم في المناطق الإسلامية لانتخاب خليفة لأمين الجميل.
هو، منذ ذلك الزمن، يراهن على الفراغ لفرض نفسه على قصر بعبدا.
وكلما تجاوزنا الماضي، أعادنا العماد عون إليه.
يصر في أكثر من خطاب، على أنه لم يشكل ميليشيا يوماً. متجاهلاً أنه حوّل ما بإمرته من قوات عسكرية إلى أقوى ميليشيات الحرب الأهلية.
بجيشه الميليشياوي آنذاك، لم يرحم بيروت الغربية من قذائفه... ولم تشفع مسيحيته لشرقيتها من القتل والتدمير والتهجير.
هو من يعيدنا إلى ماضيه المدان.
فكلما سامحناه وأغلقنا أبواب الذاكرة، فتحها من جديد.
يردد في مناسبات لا تحصى أن "العونية" لم تلطخ يدها بالدم اللبناني.
كأنه ليس هو من أعلن "حرب التحرير" في العام 1989، والتي طالت قذائفها العشوائية المناطق المسلمة، والتي بلغت أوج دمويتها في "مجزرة فرن المزرعة".
وكأنه ليس هو من أعلن حرب الإلغاء في العام 1990، التي خاضها في المناطق المسيحية، والتي أدت إلى نهر من الدماء، وبحر من النازحين عن بيوتهم.
وإذا تركنا "السجل الأسود" القديم جانباً، فكيف نتجنب "السجل الأسود" الحديث، الذي تتلاحق فيه الكوارث، التي كلما كبرت، أنجبت كارثة أكبر منها.
يمكن للشعب اللبناني أن يشارك فخامته بمحاربة هدر المال العام. إلا أنه لن يجد شريكاً يوافقه على هدر الوقت. وهو الهدر الأخطر، والذي يستعجل كل الأخطار الكبرى.
فقدان الدواء لا ينتظر.
العجز عن شراء ربطة الخبز لا ينتظر.
فقدان المازوت، وبالتالي، برد الشتاء لا ينتظر... وكذلك عتمة المولدات لا تنتظر أيضاً.
التضخم بطبع الليرة مع ما يرافقه من تبخر للرواتب لا ينتظران.
الرئيس وصهره وحدهما متمتعان بمتعة الإنتظار.
البلاد بحاجة إلى حكومة تنطلق بسرعة أسرع من الصوت. لا إلى من يتمسك بأنتن وأعفن مادة في الدستور تتيح للرئيس المعطّل تعطيل الاستشارات النيابية... حتى لو حلّت بلبنان أفظع النوائب.
لقد تمهلت كثيراً وأهملت كثيراً يا فخامة الرئيس.
يبدو أنك مصر على أن تصل باللبنانيين إلى جهنم.
وعلى ما يبدو أننا بفضلك وصلنا... أو نكاد.