كتب بول شاوول

أربعون عاماً على رحيل أسطورة البيتلز جون لينون

تم النشر في 21 كانون الثاني 2021 | 00:00

بين الخمسينات والستينات عرفت أوروبا وسواها حركات شعرية وفنية ومسرحية "ثورية"، سواء بمضمونها أو بتعابيرها. جديد يطل على أنقاض قديم يتداعى، إنه إلفيس بريسلي، الرائد، الذي حطم بأغنياته وموسيقاه، ما كان يسمى بالأغنية الكلاسيكية والرومانسية، (ممثلاً دين ماكرتين وفرانك سيناترا) وقد عمت ظواهر هذه التغييرات "الجذرية" أوروبا وأبعد منها.

أول الغيث اللافت، بعد بريسلي، ظهور "البيتلز" في بريطانيا، بول ماكّرتني وجون لينون ثم رنغو.


وفي مناسبة مرور أربعين عاماً على مقتل جون لينن أمام بيته في نيويورك برصاص أحد "المختلين عقلياً" نتوقف عنده وعند ماكرتني، كونهما الأيقونتين والمبدعين والمحركين تأليفاً وموسيقى وغناء وأدوات وآلات مبتكر دورها.


حياة جون لينون متصادمة، ميلودرامية في بداياتها وتراجيدية في نهايتها.


عائلياً: العلاقة مع والدته تتجسد في كلمته إليها "نلتِ مني يا أمي وأنا لم أنل منكِ، فعليّ أن أقول لك وداعاً" ولا نظن أن هذه حالة تحليل نفسية كما زعم البعض، بل "كلاسيكية" فطفولته "المكسورة" رافقته كل حياته.


ولد جون في عام 1940 في ليفربول، لم يمضِ كثيراً في طفولته حتى تركته والدته وسهرت أخته الكبرى على تربيته. ثم ترعرع عند عمته وعمه جون الذي كان منفتحاً، جعله يكتشف الشعر والحكايات والشرائط المصورة. أحب كثيراً جون هذا "الأب" الذي مات بشكل مفاجئ، فهز الحدث جون خصوصاً في غياب أمه فبات وحيداً، حتى تختار أن ترعاه امرأة أخرى هي جوليا، جميلة تهوى أسطوانات تلك المرحلة، ترقص وتعزف على البيانو، وعلمت جون بصعوبةٍ العزف على البيانو.


عشق جون المراهق الروك آندرول (بريسلي) وكانت الموسيقى الرائجة في الخمسينات في إنكلترا وأميركا. من هنا انخرط في فرقة هواة مؤلفة من الأصدقاء بول ماكرتني، وجورج هاريسون (كان في الرابعة عشرة من عمره) (ميلودراما أخرى: تموت حاضنته جوليا بحادث سيارة) فيتأثر ويقول: "غادرتني أمي مرتين".


وهكذا بدأت البيتلز قائمة على ركيزتين: جون لينون، وبول مكارتني، يشكلان ثنائياً متكاملاً: أي يكمل الواحد الآخر، يقدم الأول ملامح أو أجواء أغنية، والثاني يبلورها. بول متفائل، هادئ، لطيف، وصلب، وجون هش، عدواني، وساحر.


فهذان "اليتيمان" يتفاهمان جيداً، إنها مرحلة الأسطوانات الأولى، كبداية صعود موهبة الأثنين بسرعة الصوت، الإثنان يعملان على تقديم أغانيهما الشخصية بشكل نهائية... ولا يتبقى بالضرورة، سوى المنتج وهو جون مارتن (الآتي من الموسيقى الكلاسيكية) وكذلك مهندس الصوت العبقري جيون إيمريك.


استمرت هذه الكيميائية المتفاعلة بين لينون ومكارتني، فهذا الأخير يتمتع بالميلوديا المعقدة المتعرجة، وموهبة لينون، عدا بعض الاستثناءات كانت أسهل وواقعية، أثرت في مئات الموسيقيين.


بول يمكن أن يغني على عدة مستويات، أحياناً ناعم وأخرى صارخ، بينما صوت لينون كان أكثر تميزاً وتأثيراً، بول يمكن أن يقدم أغاني خفيفة، مما جعله يتقدم، مع الوقت، على لينون: فقد بات يكتب نصف الأغاني: وشبهه لينون في غزارة أغانيه بمغني "النساء العجائز" والتي تعكس شغفه "بالميوزيك هول" والجاز التقليدي، مؤلفاً بذلك نصف موسيقى البيتلز.


تزوج لينون بسنتا بأول التي التقاها عام 1962، عندما كانت حبلى بابنهما جوليان.


عام 1967، راح يعاني الإحباط الذي ترجمه في بعض أغانيه خصوصاً أغنية “Help” (النجدة) "أنا الخاسر" فالنجاح كان صعباً على هذا الفنان "المركب" والذي نتج عن هاجسه بأن يعطي دائماً أفضل خصوصاً بعد النجاح الكاسح الذي حققته بعض أغانيه، وخصوصاً أغنية "Peny come” التي ألفها جون مكارتني. وسع البيتلز أنفسهم فالتقوا الهندي مها راما يوغين وتأثروا "بكتاب الموتى التيفيتي" وخصوصاً كتاب "النبي" لجبران خليل جبران الذي كان يباع كالخبز في تلك المرحلة. طلق زوجته بعدما اكتشفت أنه على علاقة بيوكو، التي تزوجها، والتي يبدو أنها عقدت الأمور: فهي تنتقد باستمرار موسيقى بول ماكرتني وهذا ما كان يزعجه كثيراً، إلى درجة يمكن فيها القول أن الفرقة بدأت تتصدع بل تنهار.


ورأى معظم أفراد الفرقة أن يوكو هي التي حطمت البيتلز ويوكو وأنها لم تر في جون سوى طفل، ولطالما قالت له: "متى تنضج؟!" ونتيجة هذه العوامل تراجع إنتاج لينون، وكانت السبعينات محبطة جداً له، إذ قدم البومات رديئة لم تلقَ أي صدى، بينما استمر مكارتني بالتوهج، وكانت أعماله تبث بكثرة في الإذاعات... وفي الأوساط الاجتماعية.


والغريب أنه في هذا الجو الضاغط فنياً صار "رجل بيت" التزم بالبيجاما في فندق فخم كان يلتقي فيه الصحافيين. وهكذا صار شيئاً فشيئاً حزيناً، سوداوياً، يقضي وقته في الاعتناء بطفله وتغيير حفاضاته، وفي مشاهدة التلفزيون، لم تعد الموسيقى تهمه، لتدوم هذه الحياة المعزولة نحو خمس سنوات.


في هذه المرحلة بالذات اغتيل جون لينون عام 1980 (وهو في الأربعين) قرب بيته في نيويورك.