بول شاؤول
كأن سلالة كوفيد 19 خصبة في الإنجاب، ولّادة، ترفض أن يزول أثرها، فتنوع "أجنتها" من كورونا الأول إلى الثاني، وهناك الثالث (وهي طبيعة الفيروسات متى وُجدت تبقى عكس الميكروبات التي تمحى بعد معالجتها) يظهر في اليابان وينتشر في البرازيل، فإلى بريطانيا... وصولاً إلى لبنان...
إنه خاطف وسريع كأجداده، لا يرحم، لا يتمظهر، إنه القاتل "المخفي" برذاذه، وبحطه على الأشياء الصلبة، وتغلغله باللمس أو بالأنف إلى داخل الجسم، من الرئتين، إلى القلب إلى العدم...
لكن من أين يستمد كل هذه الخصوبة الفائقة، المتواترة، ليغزو كل جهات المعمورة، بلا كلل أو ملل.
هذا الوباء لم تلده الأشجار، ولا الجدران، ولا الأفكار، بل كما البذور تزرع في الأجساد (اللحم) الميدانية، يخرج منها تائهاً باحثاً عن أجسام أخرى، بشرية أو حتى حيوانية، من الأجسام إلى الأجسام، من الشهيق إلى الزفير وبينهما يبني أعشاشه، ونقطة قوته "التقارب" البشري، عناقاً أو التماساً وعدم تطهيره بالصابون والماء، وإسقاط الدفاعات المتمثلة بالكمامة.
تبدو هذه الدفاعات للوهلة الأولى سهلة (غسل اليدين، عدم التقارب، وضع الكمامة...) لكنها تبدو من السهل الممتنع، الذي يجافيه الناس. فمنهم سهّل اختراقه بالاتكال على الغيوب والأقدار، (المكتوب على الجبين تشوفو العين).
كأن الموت بالوباء نوعٌ من الشهادة، أو الاستنساب الإلهي. بل كأنما تماهٍ بالجماعات الانتحارية التي نذرها المولى لتفجر نفسها وبالآخرين لبلوغ الجنة أو كأن لبعضهم "استثناءه" تمتعاً بمناعتهم، فتزول بلمسةٍ أو تنفس!
لكن، إذا أردنا التوقف ملياً، نجد أن رفض التزام الشروط الغيبية لمواجهة كورونا، نجد كأنما هناك نوازع لا واعية أو مُستبطنة للانتحار، تكمن في أعماق الناس، أي في قعر نفوسهم وأفكارهم، وهم يموهونها أو لا يسبرونها. هذه النوازع لا تقتصر على المستهترين، بل على أطياف أخرى متنوعة تحمل فيروس الانتحار نفسه. فماذا يميز هؤلاء العابثون في مسألة كوفيد، عن بعض مرضى القلب الذين يمنعهم الطبيب عن التدخين فيصرون عليه. إنه انتحار بالتدخين، التلذذ بالتدخين هو التلذذ بالموت. أو الذين يتعاطون المخدرات القوية، بلا وازع ولا رادع: ينتحرون مخدّرين! ويمكن ذكر المتهورين بقيادة السيارات أو الدراجات تلذذاً بسرعتهم! إنه انتحار بالسرعة!
كل من هؤلاء يغني على ليلاه وانتحاره. فعندما نقرأ في الصحف أن موجة جديدة من كوفيد تجتاح العالم، نحس أن العبارة ضيقة، ويمكن القول أن موجة جديدة من الانتحاريين تتجسد في وباء الكورونا... تجتاح العالم. كورونا لا يتناسل وحده، يحتاج إلى أجسام، وها هي أجسام الممانعين تلبي شهواته.
للمرة الرابعة تعلن حالة الطوارئ الصحية في لبنان، بإعلان الإقفال العام.. ومنع التجول... بسبب ارتفاع معدلات الإصابات بكورونا إلى مستويات ضاقت بها المستشفيات الخاصة والعامة (الإصابات اليومية بالألوف!). مثل باقي الدول الموبوءة في محاولة لمنع الناس من الانتحار بكورونا، وبعض الأسباب أن المئآت أو الألوف احتفلوا بأعياد رأس السنة، في المنازل أو المرابع، متجاوزين كل وقاية، رقصاً أو تقبيلاً أو عناقاً...
ونظن أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تراجع في أعداد المصابين، ولكن هذا ليس إلى حصرها، بل إنه برغم "الحجر" سنكتشف أن هذه الخطة لم تقنع أعداداً كثيرة من الناس!
أي لم تقنع هؤلاء الذين تكمن في أعماقهم النوازع الانتحارية!
صرح البابا فرانسيس قبل أيام أن من لا يتناول اللقاح ينتحر! واضعٌ أصابعه على الجرح المفتوح.