كتبت صحيفة "النهار" تقول: يوما بعد يوم تزداد "عوارض" تفشي الفوضى الاجتماعية والنقابية والاقتصادية والمالية في كل الاتجاهات بما ينذر بحالة تفلت واسعة لم يعد مجرد كابوس نظري مرتقب، بل تثبت وقائع الازمات المعيشية والاجتماعية المتراكمة دفعة واحدة ان لبنان ينزلق اليه. وشهدت الساعات الأخيرة سباقاً لاهثاً بين تواصل مظاهر الفوضى الناجمة عن تفلت الأسعار والأزمات المفتعلة في بعض القطاعات الحيوية مثل المحروقات والأدوية وتفاقم الخلاف الطبي القضائي على خلفية اضراب الأطباء والمستشفيات من جهة، والخطوات والإجراءات الاستثنائية التي شرع مصرف لبنان في اتخاذها لتخفيف تداعيات الازمة المالية والاقتصادية ما امكن وتبريد الحمى الفوضوية التي تشهدها البلاد تحت وطأة الخشية الشعبية من رفع الدعم او استغلال هذا الخوف لاستثماره من جهة أخرى. ولكن الظاهرة اللافتة اكثر من أي وقت سابق تمثلت في ان البلاد انكشفت مرة جديدة عن غياب خيالي للمسؤوليات السياسية التي يفترض ان تضطلع بها الوزارت المعنية وحكومة تصريف الاعمال كلا، كما العهد الذي يستنسب وفق اجتهاداته متى يختار معايير "العهد القوي" بعقد اجتماعات خاصة بملفات معينة، ومتى ينكفئ عن الواجهة ويترك الأمور على غاربها تبعا لمصالح رموزه. ويجري ذلك فيما عاد ملف لبنان، وبعد أيام على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان لبيروت، يطرح على اجتماع وزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي امس في بروكسيل من باب البحث في الخيارات الأوروبية عموما حيال ازمته بما فيها خيار العقوبات الذي شرعت فرنسا في الاستعدادات العملية لوضعه في التطبيق.
وأعرب الاتحاد الأوروبي عن استيائه إزاء المراوحة السياسية التي يشهدها لبنان، وبدأ التحضير لفرض عقوبات على مسؤولين سياسيين يعتبرهم مسؤولين عن العرقلة، وفق ما أعلن وزير خارجية الاتحاد جوزيب بوريل.
وأعلن بوريل إثر اجتماع وزراء الخارجية: "نعمل على اتّباع سياسة العصا والجزرة. كل الخيارات مطروحة من أجل الضغط على الطبقة السياسية التي تحول دون الخروج من المأزق". وأوضح بوريل "لقد أبلغَنا (وزير الخارجية الفرنسي) جان إيف لودريان الذي زار يوم الجمعة الماضي لبنان بالأوضاع هناك".
ولوّح الوزير الفرنسي في بيروت بفرض عقوبات على مسؤولين عن المراوحة السياسية، بهدف تجنّب "انتحار جماعي" للبلد المنهار.
وشدد ديبلوماسي أوروبي على أن فرنسا كانت في غاية الوضوح بشأن ما يجب القيام به. كل الخيارات طرحت وإذا سارت الأمور على نحو جيد فإن الاتحاد الأوروبي مستعد لمساعدة لبنان.
وتابع الديبلوماسي: "لكن في الوقت الراهن، المأزق مستمر. ويبحث الاتحاد الأوروبي ممارسة ضغوط فردية على المسؤولين السياسيين الذين يعوقون تشكيل الحكومة وتبني الإصلاحات".
انطلاق "المنصة "
وفي الجانب المالي من الازمة، ينطلق عمل منصة الصيرفة اليوم بهدف تأمين عملية بيع وشراء العملات الاجنبية النقدية وتحديداً الدولار، بسعر يحدد العرض والطلب على هذه المنصة التي ستلحظ العرض والطلب الموجه للمصارف والصيارفة لشراء وبيع الدولار من السوق،على ان تكون هذه العمليات متاحة للتجار والمستودرين والمؤسسات وأيضا للأفراد العاديين شرط تأمين مستندات ومعلومات محددة، وعلى ان يقوم مصرف لبنان بالتدخّل عند اللزوم، لضبط التقلبات بأسعار سوق الصيرفة، علماً أن السعر ستحدده حركة السوق، بمحاول للحد من المضاربات والسيطرة على "دولار" السوق. ووجّه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كتاباً جوابيّاً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول موضوع إطلاق منصّة الصيرفة، مبدياً موافقته للتنسيق معه على إطلاقها "بهدف المساعدة على تأمين ثبات القطع استناداً إلى أحكام المادة 75 من قانون النقد والتسليف" بحسب بيان الوزارة. وعلى الأثر صدرت عن المصرف المركزي التعاميم اللازمة لتوضيح آلية عمل منصة "صيرفة" وإيذاناً بانطلاق عملها اليوم .
ومع ذلك لم تغب مظاهر الازمة المتفاقمة في اتجاهات مختلفة اذ اصطف الناس في الطوابير امام محطات الوقود لليوم الثاني، في حين أكد ممثل موزّعي المحروقات فادي أبو شقرا أن "شائعات كثيرة بُثّت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول رفع الدعم عن البنزين، ونحن كموزّعين لم نتبلغ أيّ مشروع برفع الدعم، وسعر البنزين لم يرتفع".
وفاقم المشهد تفاعل القرار القضائي في قضية الطفلة ايلا طنوس سلبا في قطاع الاطباء والمستشفيات اذ بدأ اضراب الأطباء وأعلنت نقابة المستشفيات التوقف عن استقبال المرضى في جميع المستشفيات الخاصة في مختلف الاقسام بما فيها العيادات الخارجية باستثناء الحالات الطارئة ومرضى غسيل الكلى والعلاج الكيميائي وذلك ابتداء من امس ولغاية نهار السبت المقبل . ومن جهتها، اطلقت نقابة الصيادلة "صرختها الاخيرة ازاء الوضع المتردي" داعية "المنظومة السياسية للخروج بأي حل من شأنه اخراج القطاع الصيدلاني من غرفة العناية المركزة ومعه الشعب، الذي بات بين البحث عن علبة حليب للاطفال وعلبة دواء وتنكة بنزين ورغيف خبز كمن يعيش مأساة يومية يتمنى الموت فيها على الذل".
جعجع لـ"النهار"
ووسط هذه الأجواء المأزومة حذر رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من المضي في "تضييع الوقت" مع الأكثرية الحالية في موضوع تاليف الحكومة. وفي حديث أجرته معه ميشيل تويني امس عبر موقع "النهار" عاد جعجع الى المرحلة السابقة ملاحظا انه "بين 2005 و2010 كان هناك نمو اقتصادي رغم كل شيء وكان هنالك احلام كثيرة". وعزا فشل 14 اذار الى "الارهاب التي تعرضت له 14 اذار في ظل 20 اغتيالا ومحاولة اغتيال، وعملية 7 ايار العسكرية، وتهويلات أخرى".
واذا كانت 14 اذار فشلت في موضوع السيادة كيف سينجح هو اليوم بمفرده ؟
اجاب "الحقيقية تبقى حقيقة ان آمن بها 7 مليارات شخص او شخص بمفرده والشعلة يجب ان تبقى محمولة وموازين القوى يمكن ان تتصحح لان نقطة الارتكاز السياسية لحزب الله ليس السلاح بل التيار الوطني الحر. فيمكن تغيير الوضع وموازين القوى، اكثرية الشعب اللبناني نفسه 14 اذار" .
واكد انه حاول من جديد اقناع الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بالاستقالة من مجلس النواب الان "لكنهم فضلوا ان يحاولوا تشكيل حكومة وانا لا اوافقهم الراي لان الاخرين سيئين ومحاولة تشكيل حكومة معهم مضيعة للوقت" .
ولماذا لا يستقيل بمفرده من المجلس ربما ذلك يربك الاخرين ؟
قال جعجع : "الاخرون ربنا ما اربكهم والشعب اللبناني على كل الاراضي اللبنانية لم يربكهم و 220 قتيلا و6000 جريح بعد انفجار مرفأ بيروت لم يربكهم ، فالاكيد ان استقالة القوات لن تربكهم واغلب الظن سيذهبون الى انتخابات فرعية ويقولون ان هنالك مجلسا نيابيا جديدا ولا حاجة لانتخابات نيابية سنة 2022 لان رأسهم جهنمي واذا استقالت القوات سيقولون استقالت جماعة اسرائيل واصبح المجلس وطنيا". اما اذا كان نادما على التسوية التي أدت الى انتخاب الرئيس عون فيقول انه كان يمكن ان يكون الوضع اشد سوءا لولا موافقته على تلك التسوية .
وفي المواقف البارزة امس اعتبر المكتب السياسي لحركة "أمل" في بيان عالي النبرة ان " قلق اللبنانيين يزداد ليصل إلى حدود اليأس نتيجة مواقف الأطراف والتذاكي في رمي الاتهامات بالتعطيل السياسي الذي تجاوز حدود المعقول، ولم يضرب صورة العهد والسلطة وقدرتهما على المعالجة، بل بدأ يطرح أسئلة أكثر تعقيداً حول طبيعة النظام، والقدرة على الاستمرار والحفاظ على وجود اللبنانيين وحمايتهم سياسياً واجتماعياً، وعلى الثقة بالنهوض من جديد بعد تضييع الفرصة التي كانت مدخلاً لتجاوز الأزمة وبدء مساعي الحل الاقتصادي والمالي والاجتماعي، عبر الالتفاف على مبادرة الرئيس نبيه بري والعودة لطرح صيغ تعيدنا إلى مربع الثلث المعطل بشكل أو بآخر وتبعدنا عن الوصول إلى تفاهم وتسوية يجب أن تبقى قائمة على قاعدة المبادرة الفرنسية". واشار الى ان "تطورات المنطقة والحوارات القائمة بين دولها تفرض من جديد التركيز على الإسراع في الوصول إلى حلحلة العقد، والابتعاد عن الحسابات المصلحية والخاصة وإنجاز تشكيلة حكومة قادرة على مواكبة ما يجري، والإستفادة من الفرص حتى لا تكون نتائج ما يجري في الإقليم على حساب لبنان وشعبه، ولننقذ ما يمكن بعد الانهيارات الواسعة في تأمين مقدرات عيش اللبنانيين وحياتهم والتي أصبحت بأبشع صورها مع فقدان المواد الاساسية والارتفاع الحاد في الأسعار".
النهار