ميرنا منيمنة
هل انتفت الحاجة الى الديبلوماسية في عصرنا هذا ؟ هل عجزت دوماً عن منع الإقتتال والحروب الكبرى؟ هل أضحت الديبلوماسية الكلاسيكية تتلخص بتلبية مناسبات العلاقات العامة وحضور المناسبات الرسمية ؟ هل الخلافات الكبيرة بين الدول العظمى تحول دون الحلول الديبلوماسية أم أن نوعية مشاكل القرن الواحد والعشرين عصية على الديبلوماسية؟
يكشف الديبلوماسي الأميركي وليام برنز في كتابه "The back Channel” أنه اعترض على قرار الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش غزو العراق عام 2003 .و أنه كتب مذكرة تحذيرية بعنوان "العاصفة المثالية" باعتبارها "ترياقًا للافتراضات الوردية المتهورة" لإدارة بوش . " سلّطت الضوء على خطوط الصدع الطائفي العميقة في العراق وأكدت على مخاطر الاضطرابات المدنية وحالات النهب التي ممكن أن تحصل في حال انهيار المؤسسة العسكرية والأمنية العراقية. لاحظنا احتمال ذلك وانه يمكن أن ينتهي الأمر بإيران كمستفيد رئيسي" يقول بيرنز.
ومع ذلك ، كما يعترف بيرنز بصدق ،" لم يكن ذلك كافيًا ".
في إطار آخر ، يروي جان بول كارتيرون وهو رئيس ومؤسس منتدى كرانس مونتانا وقمة موناكو العالمية أن بعض الديبلوماسيين في أيامنا هذه يقدمون أوراق اعتمادهم لرؤساء البلاد التي يعملون فيها وتكون تلك المرة الاخيرة التي يرون في هذا المسؤول إذ أنه هي تحدث مشكلة ما بين الدولتين يتهاتف الرئيسان فإما يتفقان وإما يتم استدعاء السفير أو سحبه.
غير أن الدبلوماسية تظلً الوسيلة الأساسية للتواصل بين القادة والدول. وهناك مجموعة كاملة من المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية في البيئة الدولية ومواجهات حادة يجب على مهنة الدبلوماسية الاستجابة لها كالتغير المناخي والحروب السيبرانية والسيطرة على الأرض والفضاء والإرهاب والسباق التكنولوجي والتسلح النووي والحروب الكيمائية والبيولوجية والهجرة غير الشرعية والذكاء الإصطناعي والإسلاموفوبيا والفقر و البطالة والجهل وغيرها من الأزمات وأخطرها ما واجهه العالم بأكمله بسبب جائحة كورونا وما تبعها من توزيع غير عادل للقاحات وأزمات إقتصادية .
نشطت السياسة الخارجية التركية في هذا المجال وشهدنا حراكًا متزايدًا ومتعدد الأبعاد نتج عنه الحدث الأبرز الذي جرى في تركيا في مدينة أنطاليا السياحية على ساحل البحر الأبيض المتوسط من 18 ولغاية 20 حزيران 2021 حيث جمع "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" الذي يُعدّ تجمًع رفيع المستوى للقادة السياسيين والدبلوماسيين وصناع الرأي والأكاديميين ورجال الأعمال والصحفيين وهيئات المجتمع المدني. فدارت نقاشات كثيرة وتشعبت حول الدبلوماسية وأهمية دورها خصوصاً وأن التحديات التي تواجه الدول ضخمة ومتنوعة وجديدة.
وفي نسخته الأولى حمل "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" عنوان " الدبلوماسية المبتكرة: عصر جديد ، مقاربات جديدة" وتكرّسَ منصة مميزة للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية من مجالات الدبلوماسية والسياسة والأعمال من أجل تبادل الأفكار والتصدي للتحديات الدولية. المنتدى من تنظيم وزارة الخارجية التركية و برعاية رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان و يسعى لتحقيق هوية مؤسسية له معترف بها دوليًا مثل قمة دافوس ومنتدى الدوحة ومؤتمر ميونخ للأمن، في نسخاته المقبلة ، بهدف تسهيل النقاش حول القضايا العالمية والإقليمية واستكشاف آفاق الدبلوماسية في ابتكار الحلول السلمية والعمل من أجل السلام المستدام وتطور المجتمعات. إذ أصبح من المؤكد أنه لا توجد دولة لديها الموارد والقدرة الكافية على المضي بمواجهة المشكلات المستجدة بمفردها.
أكد المنتدى ،الذي شارك فيه 11 دولة على مستوى رئيس دولة ورئيس حكومة، بينما مثّل 41 وزيراً دولهم إضافة الى ممتلين عن 60 منظمة دولية ، على فكرة أن " الدبلوماسية طريقة منهجية ومؤسسية للإتصال والتفاوض والتمثيل تسمح للدول بالعمل على حلول وتعاون بين الأطراف التي لديها بطبيعة الحال وجهات نظر مختلفة".
ولمدينة أنطاليا رمزية فهي كانت موطناً لباتارا، أول برلمان في العالم، حيث بدأ البشر تقليد البحث عن حلول للمشاكل من خلال الحديث والمفاوضات. وفي خطابه أكد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أن " أن المجال الدبلوماسي آخذ بالاتساع يومًا بعد يوم، وأن هذه القضية توفر فرصًا لتقليل التوترات، كما أكد أن الدبلوماسية لا تزال الطريقة الأكثر فاعلية لإيجاد حلول للمشاكل والأزمات الراهنة. وفيما يتعلق بالبعد العملي للسياسة الخارجية التركية، أكد الرئيس أردوغان أن العامل الرئيسي في تحديد العناوين الرئيسية على أجندة منتدى أنطاليا الدبلوماسي هو فهم تركيا "للسياسة الخارجية والمشاريع الإنسانية"، فضلًا عن أن هذا الفهم سيشكل المبادئ الأساسية ذات التأثير على السياسة الخارجية التركية في الفترة الجديدة. كما شرح أردوغان أن" أن تركيا تحتل المركز الخامس في العالم من حيث عدد البعثات الديبلوماسية ، عبر 252 ممثلية بطاقم دبلوماسي خبير .
و من جهته، ذكر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو " أن منتدى أنطاليا الدبلوماسي يوفر بيئة ومرحلة جديدة لعالم الدبلوماسية في سبيل تطوير طرق التفكير والعمل المشترك . وأضاف :" إن العالم يعاني من أكثر الفترات تقلباً وعدم استقرار في العلاقات الدولية ، مشيرا إلى حدوث تغييرات مستمرة في ميزان القوى العالمي . إن السياسة الخارجية هي أيضاً مجال للفكر والابتكار و هي تبدأ في الأذهان، وعلينا أن نعتمد على التعاون الدولي بدلاً من التنافسية ". و يجدر التنويه هنا بالقدرة التنظيمية والمهنية لوزارة الخارجية التركية، والمكانة العالية للمتحدثين، والاجتماعات الدبلوماسية الثنائية التي جرى تنظيمها على هامش المنتدى. و قد أعلنت اللجنة المنظمة للمنتدى عبر حسابها على موقع تويتر أن النسخة الثانية من "منتدى انطاليا الدبلوماسي" سوف تبدأ في الحادي عشر من آذار المقبل وتمتد لغاية الثالث عشر منه في مدينة أنطاليا على أمل أن تكون أولوية البحث لقضايا الإندماج والمشاركة الفاعلة للمراة في صناعة الأمن والسلام وأهداف التنمية المستدامة .
وكان الأمين العام للأمم المتجدة انطونيو غوتيريس قد شارك في الجلسة الإفتتاحية للمنتدى .
وعكست فعاليات المنتدى الهدف الأساسي لانعقاده وهو إيجاد ديناميكية جديدة للدبلوماسية الدولية بهدف وضع حد لمختلف الأزمات والصراعات الإقليمية والدولية.
وضمت أجندة المنتدى في نسخته الأولى 25 جلسة تناولت الحوكمة العالمية، العلاقات عبر الأطلسي، الشراكة مع أفريقيا، فرص جديدة من أجل السلام الإقليمي والتعاون في جنوب القوقاز، الطريق إلى تسوية واقعية في قبرص، قطاع الأعمال والدبلوماسية الإقتصادية ،
الديبلوماسية البرلمانية، مستقبل الطاقة ، الطرق المبتكرة لدبلوماسية أكثر فعالية، فاعلية المنظمات الإقليمية، الأخبار الوهمية في العالم الإفتراضي، مواجهة التهديد الإرهابي والتطرف ، الوضع في سوريا وشرق المتوسط، مستقبل أوروبا وسبل زيادة فعالية المنظمات الإقليمية ،الأخبار الوهمية ودورالمرأة في صناعة السلام .