عارف العبد- المدن
من الواضح أن التيار الوطني الحرّ قد قرر بكل منصاته ووسائله الإعلامية المتوافرة، شن حملة سياسية إعلامية للتعبير عن رفض تعطيل جلسات مجلس الوزراء، الحاصلة بفعل من الثنائي أمل وحزب الله كشرط لقبع القاضي البيطار.
فالنائب جبران باسيل كان أول من أطلق صفارة الاعتراض عبر مطالبته رئيس الحكومة بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد، معتبراً أن الحكومة يجب أن تجتمع وتمارس دورها أو تذهب!
الناطق الثاني والرديف، باسم التيار العوني النائب آلان عون، لم يتردد بأن يكون أكثر وضوحاً، وبدل التركيز على رئيس الحكومة كما فعل جبران باسيل ذهب إلى تسمية الأمور بأسمائها، كاشفاً الطرف المسبب للتعطيل، وتحديد جهة ووجهة الخلاف معه، بالقول: لا نفهم أسباب ودوافع الثنائي أمل وحزب الله في تعطيل الحكومة. ونحن لا نوافق على هذه الممارسة. فبعد الجهد الذي بذل لتشكيل الحكومة أقدموا الآن على تعطيلها. فالبلاد بحاجة لعمل الحكومة في هذا الظرف الاقتصادي والمعيشي الصعب على اللبنانيين. والحكومة يجب أن تجتمع وتنتج.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل دخل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مباشرة على خط الضغط ورفع الصوت، بقوله أمام نقابة المحررين: "لا يمكن إبقاء الحكومة معطلة، فهناك أمور تحتاج إلى البت بها، ومنها مثلاً إقرار الموازنة لتسهيل مسائل الكهرباء وغيرها من المواضيع".
وعن العلاقة مع حزب الله قال: هناك أمور يجب أن تقال بين الأصدقاء، ونحن ننادي بما يقوله الدستور، لأن عدم احترامه يعني أن تسود الفوضى".
وللانتباه، فرئيس الجمهورية ابتعد عن كلمة حلفاء ليستعمل كلمة أصدقاء!
بطبيعة الحال، فإن موقف التيار محق وصحيح وفي مكانه. فليس مبرراً على الإطلاق وسط هذه الأزمة الماحقة، وبعد الخسائر والجهود المضنية لتشكيل الحكومة، أن يتم تعطيلها وتعطيل المعالجات الاقتصادية الممكنة، وزيادة الأعباء على المواطنين المنهكين، من أجل مطلب يمكن حله والاعتراض عليه بطرق وأساليب مختلفة.
لكن رئيس الجمهورية وتياره الإصلاحي الحريص على المصلحة العامة وتطبيق الدستور واحترامه دائماً، تناسى أو كانت ذاكرته ضعيفة أنه سبق له أن أقدم أكثر من مرة هو على الممارسة نفسها في تعطيل البلاد والآلية الدستورية والاقتصاد الوطني وعجلة الإنتاج، من أجل مواقف ومطالب أقل ما يمكن القول عنها الآن إنها كانت في بعض الأحيان مضحكة ومعيبة.
وقد تناسى فخامة الرئيس وتياره موقفه الشهير وجملته الأثيرة من الرابية، حين قال: "لعيون صهر الجنرال ما تتشكل حكومة بلبنان".
فالجنرال عون عطل تشكيل الحكومة لكي يُبت بأمر توزير صهره الراسب في الانتخابات النيابية، وعاد وعطل تشكيل الحكومة وجمد البلاد من أجل أن يتسلم صهره وزارة الاتصالات، وعاد وعطل تشكيل الحكومة من أجل الحصول على وزارة الطاقة، والميزانية المطلوبة من الخزينة وليس من القروض العربية الميسرة.
والجنرال نفسه لم يسأل عن الاقتصاد ولا عن الموازنة ولا عن المواطنين وأحوالهم المعيشية، حين عطل البلاد ومنعها من انتخاب رئيس للجمهورية ما لم يضمن وصوله هو إلى سدة الرئاسة الأولى، طوال سنتين ونصف السنة.
وفخامة الرئيس بات الآن يدرك أهمية الوقت، ولم ينتبه أنه كان وقتاً من ذهب، حين أسقط مصطفى أديب وسعد الحريري بعده، وماطل نجيب ميقاتي إلى الرمق الاخير.
والرئيس الجنرال المحق في كلامه عن تعطيل الحكومة الآن، تناسى نهائياً أنه حين وصل إلى بعبدا على رأس حكومة عسكرية عطل انتخاب رئيس جديد خلفاً لأمين الجميل لأكثر من سنة حتى انتخب رينيه معوض، ومن ثم الياس الهراوي، الذي سكن القصر الرئاسي المدمر، بعد وقت طويل من خروجه.
غريب كم أن ذاكرة تيار فخامة الرئيس السياسية قصيرة وصغيرة وفي وضعية ضعيفة، حين ترفض لغيرها وهم "حلفاء وأصدقاء" ما أجازته لنفسها وأشخاصها وقادتها، ومن دون مبرر مقنع.
إنه منطق متهافت بالفعل أن يرفض تيار الرئاسة الأولى اليوم ما سبق أن ارتكبه ومارسه هو بالأمس؟!
لكن ماهي الدوافع التي تضغط على التيار العوني لفتح المشكل مع الثنائي أمل وحزب الله للمطالبة بانعقاد الحكومة الآن؟
يبدو أن ما يضغط على رئيس الجمهورية وتياره لإعادة الحكومة للعمل شكلياً، أكثر من دافع، منها محاولة إنجاز وتمرير بعض الخطوات، للقول أن هذا العهد تمكن من إنجاز أمر ما من أمور سبق أن تحدث عنها أو وعد بها، ويمكن استغلالها إعلامياً ودعائياً، بعد أن تبين أن حصيلة الحكم حتى الآن فارغة ومعدومة. فما من رصيد متبقٍ في الحساب إلا أرقام الفقر والانهيار والتراجع.
كما أن اقتراب موعد الانتخابات النيابية، إذا ما جرت، بحاجة لبعض التحشيد والتحريض والضخ الإعلامي لكسب بعض الأصوات في الشارع المسيحي، الذي وجد أن سلته فاضية نتيجة حكم عهد الرئيس القوي.
فهل ينجح التيار وعماده ورئيسه في تحقيق خطوات استلحاقية في هذا الوقت القليل المتبقي؟ أم أن العطار سيخفق في إصلاح ما أفسده دهر التعطيل؟