كتب أسعد حيدر

‏"ليالي الأنس في فيينا"‏‎ ‎

تم النشر في 9 كانون الثاني 2022 | 00:00

حال مسارات "الرقص" في جلسات المفاوضات في فيينا، تكاد تشبه ‏العثور على الكلمة النهائية في لغز الكلمات المتقاطعة، أي الكثير من ‏الكلمات المفاتيح التي تبقى معلقة على الحرف الأخير للكلمة المفتاح. من ‏الواضح في عمق الضباب المفروض على المفاوضات أن الطرفين ‏الاميركي والايراني يرغبان في التوصل الى اتفاق، يحقق لكل منهما ‏الحد المقبول طالما أن الحصول على الحل الأقصى يبدو مستحيلا لحل ‏هذه الازمة الطويلة‎ . ‎

‎ ‎الولايات المتحدة الأميركية، عقدتها سياسية والى حد ما ‏استراتيجية، في حين أن مشكلة إيران متعددة، فإلى جانب الاستراتيجي ‏منها هي اقتصادية ومعيشية، والاهم متعلقة بالنظام ومستقبله، إذ ليس ‏خافيا أن مستقبل" الخامنئية " مرتبط بنتائج المفاوضات … وما ذلك ‏سوى لان الرهبر اية الله علي خامنئي اختار الانحياز نهائيا الى ‏المتشددين في النظام، فاختار "رجله " ابراهيم رئيسي رئيسا للجمهورية، ‏وربما خليفة له في القيادة على حساب كامل التيار الوسطي، بعد تهميش ‏التيار الاصلاحي في مسار منظم و متصاعد منذ العام ٢٠٠٩ وضرب ‏‏"الانتفاضة الخضراء " … لذلك كله يبدو" النظام الخامنئي "بحاجة ‏حقيقية، للحصول على اتفاق في فيينا ينجده اقتصاديا، مع رفع العقوبات ‏باي طريقة من الطرق، خصوصا وان الازمة المعيشية أصبحت تطال ‏مختلف الطبقات، وفي مقدمتها الطبقة الوسطى، التي شكلت قاعدة صلبة ‏لمواجهة التقلبات المختلفة، التي عانت منها ايران طوال اربعين سنة ‏وأكثر‎ …‎

‎ ‎ما يعزز عمق تحدي الازمة الاقتصادية، انه لم يعد من الممكن ‏اخفاء الاستياء الشعبي العام، الى درجة أن صحيفة "اعتماد " كتبت ‏‏"عجز المسؤولين عن مواجهة الاستياء العام وعن لجم اسواق المال ‏‏"لذلك كله يجري الحديث علنا عن الاستعداد لتغيير عدد من الوزراء ‏الذين بالكاد استلموا مناصبهم، ويكفي ان المطلوب استبدالهم بسرعة هم ‏‏:وزراء النفط والاقتصاد والتجارة والطرق والبنية التحتية والبنك ‏المركزي ومنظمة تخطيط الموازنة، اي كل ما يتعلق بالاقتصاد … ‏والمثير في قراءة التحولات ان فريق أحمدي نجاد يزداد قوة مع تسمية ‏وزراء من حكوماته في حكومة رئيسي وطبعا ان "الحرس الثوري " ‏المستفيد الأكبر من المفاوضات والأزمة ، اذ ان المرشح البارز لوزارة ‏الاقتصاد هو سعيد محمد الذي كان رئيسا لمجموعة "خاتم الأنبياء "التي ‏يمسك بها" الحرس " والذي انسحب من الانتخابات الرئاسية بعد ان ‏استقال من منصبه تنفيذا لتوجيه ضمني له و للمرشحين الآخرين من ‏جنرالات "الحرس‎" . ‎

‎ ‎البارز في كل هذه التطورات انه في عز هذه الازمة المعقدة، ‏يتصاعد نمو "الحرس "وبالتالي الإنفاق عليه، إذ تم تسليمه حوالي ١٢٠ ‏زورقا حربيا، وجرت مناورات عسكرية غير مسبوقة، خصوصا البحرية ‏منها، اذ أطلقت صواريخ باليستية مداها ٢٠٠٠ كلم وخمسة صواريخ" ‏كروز " وغيرها من صواريخ ابرزها "قاصد" ، ووضعت كل هذه ‏المناورات في إطار "خدمة من الميدان للدبلوماسية"، وفي تبرير لهذا ‏الإنفاق جرى الكشف عن سر في المفاوضات السابقة عندما طلب جواد ‏ظريف في عز المفاوضات من وزير الدفاع حسين دهقان اطلاق ‏صاروخ" يراه المفاوض الاميركي ويأخذه بعين الاعتبار . ويبدو ان ‏الرسالة من المناورات الحالية مزدوجة تتعلق بالضغوط المتبادلة في ‏المفاوضات ومن جهة ثانية إبراز اهمية سلاح الصواريخ بالنسبة لإيران ‏وعدم سهولة التخلي عنه‎ … ‎

‎ ‎بالنسبة للولايات المتحدة فإنها تريد الحل باقل كلفة، لان ذلك ينعكس ‏على تحالفاتها وحتى على مستقبل الرئيس جو بايدن، الى جانب ذلك يجب ‏أن تأخذ بعين الاعتبار موقف اسرائيل من الاتفاق، خصوصا وان ‏تهديداتها احيانا عملية، ولا يريد بايدن ان يتم جره الى "تجربة النار" مع ‏ايران بأي طريقة من الطرق ولا بأي حجم من الأحجام … إذ من ‏الواضح ان الاميركي الذي ينسحب قتاليا من العراق لا يريد أي تجربة ‏نارية، خصوصا وان همه الأكبر كيفية مواجهة الصين التي تتمدد ‏بسرعة وقوة "التنين "المالي والاقتصادي‎ . ‎

‎ ‎هذه المفاوضات ليست مفتوحة على الزمن، لأسباب أمريكية ‏وأوروبية وحتى ايرانيا . كلما طال المفاوضات كلما هزل موقع ‏المفاوض الأميركي، في حين أن الايراني الذي يقف على عتبة موعد ‏أساسي بالنسبة للنظام هو مضطر للإسراع ، ذلك انه في ١١ شباط ‏‏_فبراير _ تجري احتفالات الثورة ، ولا شك ان الرهبر خامنئي ومعه ‏الرئيس رئيسي لا يمكنهما إغفال المفاوضات وخصوصا نتائجها التي ‏يجب ان تكون مبشرة، بحل الأزمة الاقتصادية عبر رفع العقوبات، ‏واستعادة إيران أموالها المحتجزة اولا والبدء في دورة‎ ‎جديدة توقف ‏تدهور الوضع الاقتصادي وتمكن "النظام الخامنئي " من القول " لقد ‏غيرت وأنتجت‎" "‎‏. ‏