كتب أسعد حيدر

رياح التغيير تهب على.. إيران

تم النشر في 22 شباط 2023 | 00:00

أسعد حيدر





 خمسة اشهر مضت على مقتل مهسا أميني، ولم تتوقف المظاهرات التي طالبت بإلغاء الحجاب الإجباري، لتاخذ استراحة قصيرة حتى تعود من جديد مثل امواج البحر، التي تقترب من الشاطئ لتعود فتتشكل وتفاجئ.

لكن هذه الحركة المستمرة، التي احتار الجميع على اطلاق تسمية او تعريف نهائي لها لم يحصل، فبقيت تتراوح بين انتفاضة وثورة، ولعل التوصيف الأقرب الى الواقع حتى الان، التوصيف الذي أطلقته شيرين عبادي الفائزة بجائزة نوبل للسلام وهو:" انها شرارة عمليةثورية " … في الواقع فان السؤال الكبير لماذا لم تتجذر وتتوسع، وتصل الى نهاياتها كما تنتهي اي عملية ثورية؟ 

 لم تشهد المظاهرات الا فيما ندر، شعار سياسي حقيقي او كبير، رغم سقوط حوالي ٥٣٠ قتيل والقبض على حوالي ٣٠الف شاب وفتاة، وزجهم في السجون الايرانية الوفيرة، وأبرزها سجن "إيفين " الموروث من عهد الشاه، الى جانب ذلك فان الازمة الاقتصادية والمعيشية اصبحت خانقة، بعد ان تجاوز سعر الدولار خمسين الف تومان، وبذلك فان الايراني المتوسط الحال، لم يعد يستطيع شراء اللحمة لعائلته سوى نادرا، علما ان المطبخ الايراني غني باللحم و…  والسؤال ماذا  يعني غياب اي مطلب سياسي او اقتصادي عن المظاهرات؟ قبل الإجابة المباشرة يجب تجسيم الوقائع والمتغيرات داخل الجمهورية الاسلامية في ايران. 

 يجب اولا وضع كل الاجابات تحت عنوان أساسي، وهو ان "الجمهورية الخامنئية " لم تعد" ابنة " الجمهورية التي أسسها وبناها  الامام الخميني. فلا هي قائمة وتنفذ بند "لا شرقية ولا غربية"، لانها انحازت كليا الى الشرق، وهي حليفة رسميا لروسيا، وهذا في التوجه السياسي العام، الذي هو نتاج المواجهة مع الغرب وخصوصا مع الولايات المتحدة الاميركية. 

الجمهورية الخامنئية تعيش جوا من التصحر الواسع والعميق القاتل من العلماء؛ اذ اين آيات الله من حجم : حسين منتظري ، محمد طالقاني ، مرتضى مطهري ، محمد بهئشتي … لم يعد في الجمهورية احد يمكن ألقول عنه بانه مرجع لذلك تبدو هذه الجمهورية يتيمة، فاقدة لما قامت عليه بانتظار ان تصبح "عسكرة " النظام هي الحل وتلوينها بعمامة من حجم الرئيس حجة الاسلام ابراهيم رئيسي. 

غياب وتغييب البازار عن الحركة والفعل في الحياة السياسية بعد ان كان عمود الثورة الناشط والفاعل والمؤثر ، وما تراجعه هذا سوى نتيجة لعملية مدروسة نتيجتها حرمان اي حركة معارضة من اندفاع شعبي؛ ولا شك ان إمساك "الحرس الثوري" بمفاصل  الحياة الاقتصادية وقطاعاتها، من النفط والغاز  مرورا بكل المشاريع التي تزيد قيمتها عن عشرة ملايين دولار، الى ذلك وضع يده على معظم المرافئ والمطارات والاتصالات تحت شعار المحافظة على الأمن الوطني . 

    المطالبة بإلغاء الحجاب الإجباري، كان يمكن ضربها بقوة وقسوة اكثر، وبالتالي وأدها كما حصل من قبل مع الطلاب والحركة الخضراء، ولكن لم يحصل ذلك ربما لأسباب ذاتية واُخرى وموضوعية … والملاحظة الاولى ان "الحرس الثوري " و"عصاه "  الباسيج لم ينزلوا أمواجا الى الشوارع كما حصل من قبل … ويرى ايرانيون ان مشكلة اجتماعية اخترقت كل العائلات بما فيها عائلات الحرس والباسيدج والأمن، وهي ان كل واحد لديه في عائلته اما او اختا او زوجة، ومن الطبيعي ان يقع في الاحراج مهما كان اسلاميا، ولهذا تفاصيل عديدة في اساسها موقع المرأة الايرانية في قلب العائلة وقراراتها … 

     معركة  اخرى تتعلق بمستقبل النظام والجمهورية، تدور تحت حجاب من الصمت والسرية، وتتمحور حول خلافة  الولي الفقيه خامنئي، ولا شك ان المازق كبير خصوصا بعد ان اصبح الحرس لاعبا أساسيا ومقتل الجنرال قاسم سليماني في غارة اميركية … الملاحظ هو امتناع الجميع عن الترشيح او الترشح، مع إشارات بان مجتبى ابن خامنئي، ورجل الظل القوي مرشح قوي وكذلك رئيسي والباقي تكهنات بدون تأكيدات … 

   في بداية نهاية الأشهر الخمسة للحركة النسائية العظيمة، التي لم تعرف اي قيادة او إمكانية، تشكل قيادة تخرج الوضع من القمقم الحالي، تحولا مهما ، من ذلك عقد مؤتمر للمعارضات بما فيها ابن الشاه في الخارج، والمؤتمر وان كان فاشلا الا انه حرك المياه الراكدة لعملية التغيير ، الثانية وهي الاهم لانها داخلية، وتجسدت في بيان مير حسين موسوي رئيس الوزراء الأسبق والمحتجز منذ ١١ سنة فقد دعا الى " تغييرالنظام القائم وصياغة عهد جديد وذلك بصياغة ميثاق جديد يصيغه ممثلون منتخبون من الشعب "  وبدوره طالب الرئيس الأسبق محمد خاتمي الى التغيير لان الشعب يئس من النظام القائم " …وقد لاقى الموقفين المتكاملين، تأييدا واسعا من السياسيين والمفكرين سواء السجناء منهم او الأحرار … 

     لا شك وكما قال عباس عبدي المفكر وأستاذ علم الاجتماع والإصلاحي الكبير "ان اتهام الحكومة بان الاحتجاجات من صنع الاعلام الأجنبي والعدو … ليس سوى عود ثقاب يرمى على الحطب نصف المشتعل".