حال مسارات "الرقص" في جلسات المفاوضات في فيينا، تكاد تشبه العثور على الكلمة النهائية في لغز الكلمات المتقاطعة، أي الكثير من الكلمات المفاتيح التي تبقى معلقة على الحرف الأخير للكلمة المفتاح. من الواضح في عمق الضباب المفروض على المفاوضات أن الطرفين الاميركي والايراني يرغبان في التوصل الى اتفاق، يحقق لكل منهما الحد المقبول طالما أن الحصول على الحل الأقصى يبدو مستحيلا لحل هذه الازمة الطويلة .
الولايات المتحدة الأميركية، عقدتها سياسية والى حد ما استراتيجية، في حين أن مشكلة إيران متعددة، فإلى جانب الاستراتيجي منها هي اقتصادية ومعيشية، والاهم متعلقة بالنظام ومستقبله، إذ ليس خافيا أن مستقبل" الخامنئية " مرتبط بنتائج المفاوضات … وما ذلك سوى لان الرهبر اية الله علي خامنئي اختار الانحياز نهائيا الى المتشددين في النظام، فاختار "رجله " ابراهيم رئيسي رئيسا للجمهورية، وربما خليفة له في القيادة على حساب كامل التيار الوسطي، بعد تهميش التيار الاصلاحي في مسار منظم و متصاعد منذ العام ٢٠٠٩ وضرب "الانتفاضة الخضراء " … لذلك كله يبدو" النظام الخامنئي "بحاجة حقيقية، للحصول على اتفاق في فيينا ينجده اقتصاديا، مع رفع العقوبات باي طريقة من الطرق، خصوصا وان الازمة المعيشية أصبحت تطال مختلف الطبقات، وفي مقدمتها الطبقة الوسطى، التي شكلت قاعدة صلبة لمواجهة التقلبات المختلفة، التي عانت منها ايران طوال اربعين سنة وأكثر …
ما يعزز عمق تحدي الازمة الاقتصادية، انه لم يعد من الممكن اخفاء الاستياء الشعبي العام، الى درجة أن صحيفة "اعتماد " كتبت "عجز المسؤولين عن مواجهة الاستياء العام وعن لجم اسواق المال "لذلك كله يجري الحديث علنا عن الاستعداد لتغيير عدد من الوزراء الذين بالكاد استلموا مناصبهم، ويكفي ان المطلوب استبدالهم بسرعة هم :وزراء النفط والاقتصاد والتجارة والطرق والبنية التحتية والبنك المركزي ومنظمة تخطيط الموازنة، اي كل ما يتعلق بالاقتصاد … والمثير في قراءة التحولات ان فريق أحمدي نجاد يزداد قوة مع تسمية وزراء من حكوماته في حكومة رئيسي وطبعا ان "الحرس الثوري " المستفيد الأكبر من المفاوضات والأزمة ، اذ ان المرشح البارز لوزارة الاقتصاد هو سعيد محمد الذي كان رئيسا لمجموعة "خاتم الأنبياء "التي يمسك بها" الحرس " والذي انسحب من الانتخابات الرئاسية بعد ان استقال من منصبه تنفيذا لتوجيه ضمني له و للمرشحين الآخرين من جنرالات "الحرس" .
البارز في كل هذه التطورات انه في عز هذه الازمة المعقدة، يتصاعد نمو "الحرس "وبالتالي الإنفاق عليه، إذ تم تسليمه حوالي ١٢٠ زورقا حربيا، وجرت مناورات عسكرية غير مسبوقة، خصوصا البحرية منها، اذ أطلقت صواريخ باليستية مداها ٢٠٠٠ كلم وخمسة صواريخ" كروز " وغيرها من صواريخ ابرزها "قاصد" ، ووضعت كل هذه المناورات في إطار "خدمة من الميدان للدبلوماسية"، وفي تبرير لهذا الإنفاق جرى الكشف عن سر في المفاوضات السابقة عندما طلب جواد ظريف في عز المفاوضات من وزير الدفاع حسين دهقان اطلاق صاروخ" يراه المفاوض الاميركي ويأخذه بعين الاعتبار . ويبدو ان الرسالة من المناورات الحالية مزدوجة تتعلق بالضغوط المتبادلة في المفاوضات ومن جهة ثانية إبراز اهمية سلاح الصواريخ بالنسبة لإيران وعدم سهولة التخلي عنه …
بالنسبة للولايات المتحدة فإنها تريد الحل باقل كلفة، لان ذلك ينعكس على تحالفاتها وحتى على مستقبل الرئيس جو بايدن، الى جانب ذلك يجب أن تأخذ بعين الاعتبار موقف اسرائيل من الاتفاق، خصوصا وان تهديداتها احيانا عملية، ولا يريد بايدن ان يتم جره الى "تجربة النار" مع ايران بأي طريقة من الطرق ولا بأي حجم من الأحجام … إذ من الواضح ان الاميركي الذي ينسحب قتاليا من العراق لا يريد أي تجربة نارية، خصوصا وان همه الأكبر كيفية مواجهة الصين التي تتمدد بسرعة وقوة "التنين "المالي والاقتصادي .
هذه المفاوضات ليست مفتوحة على الزمن، لأسباب أمريكية وأوروبية وحتى ايرانيا . كلما طال المفاوضات كلما هزل موقع المفاوض الأميركي، في حين أن الايراني الذي يقف على عتبة موعد أساسي بالنسبة للنظام هو مضطر للإسراع ، ذلك انه في ١١ شباط _فبراير _ تجري احتفالات الثورة ، ولا شك ان الرهبر خامنئي ومعه الرئيس رئيسي لا يمكنهما إغفال المفاوضات وخصوصا نتائجها التي يجب ان تكون مبشرة، بحل الأزمة الاقتصادية عبر رفع العقوبات، واستعادة إيران أموالها المحتجزة اولا والبدء في دورة جديدة توقف تدهور الوضع الاقتصادي وتمكن "النظام الخامنئي " من القول " لقد غيرت وأنتجت" ".