أخبار لبنان

ميقاتي: الإصلاحات ممكنة إنّما تحتاج إلى الإرادة... والموازنة نحطّة أساسية

تم النشر في 20 كانون الثاني 2022 | 00:00

اشار رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي من السراي الحكومي إلى أن "حكومتنا تعاود جلساتها الاسبوع المقبل لدرس واقرار الموازنة العامة التي تشكل محطة اساسية تحتاجها البلاد لانتظام عمل الدولة، ونشدد على ضرورة تعاون الجميع لتكون هذه الموازنة خطوة اساسية على طريق الاصلاح المنشود. ولا ننسى أنّ أمامنا استحقاقات أخرى أبرزها الانتخابات النيابيّة التي سنعمل أيضاً على تأمين الأطر اللازمة للإشراف عليها وإدارتها بفعاليّة وشفافيّة".

كلام ميقاتي جاء خلال رعايته حفل "إطلاق الاستراتيجية الوطنية لإصلاح الشراء العام" في السراي الحكومي قبل الظهر، في حضور وزير المال يوسف خليل، وزير السياحة وليد نصار، وزير العدل هنري خوري، وزيرة التنمية الادارية نجلا رياشي، والنواب: ياسين جابر، آلان عون، عناية عزالدين، مدير الشرق الأوسط في البنك الدولي ساروج كومار جاه، سفير الإتحاد الأوروبي رالف طراف، نائبة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان نجاة رشدي، ممثل السفيرة الفرنسية فرنسوا دي ريكولفيس، رئيسة معهد باسل فليحان الاقتصادي والاجتماعي لمياء مبيض البساط، وشخصيات.

وقال الرئيس ميقاتي في كلمته "مناسبة اليوم تأتي منسجمة مع تطلّعات حكومتنا الاصلاحية التي نصّ عليها بيانها الوزاري، هذه التطلّعات التي انبثقت أولاً من ارادتنا الذاتية ورغبة المجتمع اللبناني بالإصلاح، وتناغمت ثانيا مع توصيات الأسرة الدولية التي تتابع عن كثب هذا الموضوع وتعتبره ثالثا في سلّم الإصلاحات بعد إصلاح الكهرباء وإصلاح القضاء".

وأضاف "إصلاح منظومة الشراء العام في لبنان جزء لا يتجزأ من رزمة الإصلاحات الماليّة الأساسيّة الضروريّة لتحقيق الانضباط المالي والحوكمة المالية ومكافحة الفساد وتعزيز التنافسيّة. وهو من الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي وتكرر ذكره في معظم المحطات والوثائق الأساسيّة مثل توصيات مجموعة الدعم الدولية للبنان، والمبادرة الفرنسية التي نثمّن، وتوصيات إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الاعمار وطبعاً مؤتمر "سيدر".

ولفت إلى أن "المسار الذي سلكه إصلاح الشراء العام يُثبت أنّ الإصلاحات ممكنة، وهي لمصلحة المواطن والاقتصاد، إنّما تحتاج إلى الإرادة السياسيّة، وإلى اقتران هذه الإرادة بالعلم والتخصص والالتزام بالمعايير الدوليّة والانفتاح على دروس التجارب العالميّة، والأهمّ إلى الشراكة والتفاعل الإيجابي مع مكوّنات الحوكمة من مجتمع مدني وقطاع خاص ومؤسسات حكوميّة جديّة ومُحترفة".

وتابع ميقاتي "تشكّل هذه الاستراتيجية نقطة انطلاق لاتخاذ الإجراءات الإصلاحية الضرورية بشكل منسّق بين كافة الجهات المعنيّة على المستوى الوطني، ومع الشركاء الدوليين والجهات المانحة التي أدعوها إلى مساعدتنا على وضع هذه الاستراتيجيّة موضع التنفيذ بشكل عاجل، وعلى توفير ما تحتاجه مِن موارد ماديّة ومساندة تقنيّة لاسيّما وأنّ دخول قانون الشراء العام حيّز التنفيذ سيكون بعد حوالى ستة أشهر من الآن وهذه مدّة قصيرة جدّا".

وأوضح ميقاتي أن "من جهتنا، سنعمل سريعا على استكمال الخطوات الضروريّة لإصدار المراسيم التنفيذيّة التي من شأنها تفعيل عمل الهيئتين الجديدتين اللتين استحدثهما هذا القانون، وهما: هيئة الشراء العام وهيئة الاعتراضات ومندرجات القانون من منصّة الكترونيّة مركزيّة وتدريب للكادر البشري ودفاتر شروط نموذجيّة تشكّل أدوات حقيقيّة لنقلة نوعيّة في إدارة المال العام، وفي تحقيق الشفافيّة والمساءلة المطلوبة. كما نتطلّع الى إبعاد تنفيذ هذا الإصلاح عن التجاذبات السياسية، أياً كانت، لتحقيق النتائج المرجوّة منه، فأي تأخير في تنفيذ هذه الخطوات ووضع هذا القانون موضع التنفيذ سيُقرأ على أنّه مؤشر سلبي وخطير لصدقية الحكومة".

وختم "بتكاتف الجهود على المستوى الوطني، يمكن أن ننقل لبنان إلى برّ الأمان لناحية إعادة الثقة بعمل المؤسسات، وتوفير بيئة حاضنة للأعمال واستقطاب المستثمرين، وتعزيز الشفافية عملاً لا قولاً، من أجل وضع لبنان مجدداً على خارطة النمو الاقتصادي والتطوّر والازدهار".

البساط: لمياء مبيض البساط شددت على دور إصلاح الشراء العام في "تحسين الحوكمة المالية وجودة الخدمات العامة"، لافتةً إلى أنه "يمثّل 20 في المئة من النفقات العامة على المستوى المركزي من دون احتساب المؤسسات العامة والبلديات"، وبأن "الحكومات هي الشاري الأكبر". وابرزت أن كفاءة الشراء العام "عامل أساسي في تعزيز مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة".

وعرضت بساط الأهداف الأربعة للرؤية الاستراتيجية الوطنية للشراء العام 2022-2024، أوّلها "جعل الإطار التنظيمي والسياساتي منسجماً مع أفضل الممارسات الدولية"، والهدف الثاني "توفير إطار مؤسسي لإدارة ناجحة للشراء العام وبناء القدرات المطلوبة لذلك"، والثالث "ضمان كفاءة عمليات الشراء العام ومساهمتها في تحقيق وفورات"، أما رابعها فيتمثل في "تعزيز النزاهة والشفافية والقدرة على المحاسبة في هذا المجال".

وشرحت ان "الاستراتيجية تتضمن إصدار المراسيم التطبيقية اللازمة ومنها تلك المتعلقة بهيئة الشراء العام، الناظمة وهيئة الاعتراضات، واقتراحات لتعديل عدد من القوانين ذات الصلة، وإعداد دفاتر الشروط النموذجية للمناقصات، وبناء قدرات العاملين في مجال الشراء العام، وإنشاء المنصة الإلكترونية وبدء العمل بها".

وشددت على أن "المخاطر والعقبات التي تقف في وجه دخول هذا القانون حيّز التنفيذ كبيرة جداً وأهمّها الموارد الماليّة وهجرة أصحاب الكفاية والمهارة من الإدارة وعدم وجود خطة واضحة لوقف هذا النزف أو التعاطي معه بشكل لا يهدد كيان الدولة. وناشدت المجتمع الدولي إيجاد آليات الدعم التقني والمادي الضروريّة كي تبقى مؤسسات الدولة قادرة على المضيّ قدماً في تنفيذ الإصلاحات الهيكليّة الأساس التي يحتاجها الوطن والاقتصاد والتفاعل ايجاباً مع متطلبات دعم تنفيذ الإستراتيجيّة الوطنية لإصلاح الشراء العام. نجاح هذا الإصلاح يعطي إشارة ثقة قوية للشعب اللبناني إلى أن الإصلاحات الهيكلية صعبة لكنها غير مستحيلة".

كومار جاه: من جهته، اعتبر المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار في كلمة مسجلة بالفيديو ان هذه الاستراتيجية "خطوة مهمة جداً نحو تنفيذ قانون الشراء العام الذي أقره مجلس النواب". ولاحظ أن "حجم الانفاق الحكومي المركزي على الشراء العام في لبنان "ضخم" وكذلك حجم الإهدار فيه بسبب عدم فاعلية المنظومة".

ورأى أن تحسين منظومة الشراء العام يكفل "تحرير نحو 340 مليون دولار" بفضل ما سيحققه من وفورات، مشدداً على إمكان "استخدام هذا المبلغ لمعالجة الصعوبات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها لبنان". وذكّر بأن "دعوات الشعب اللبناني وهيئات المجتمع المدني والمجتمع الدولي لإصلاح نظام الشراء العام تصاعدت مع الوقت"، وبأن "هذا الإصلاح أصبح أكثر إلحاحاً بعد انفجار مرفأ بيروت والأزمة المالية المستمرة في الاقتصاد اللبناني".

وقال إن "إصلاح عمليات الشراء العام وإجراءاته شرط اساسي لمعالجة الأزمة المالية والاقتصادية العميقة، ولتعزيز الحوكمة والمحاسبة، وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة. في تموز 2021 دخل لبنان عصراً جديداً في الحوكمة من خلال إقرار قانون الشراء العام الجديد الذي يشكّل محطة اساسية في مسيرة لبنان نحو منظومة شراء عام حديثة". وأفاد بأن "أولويات لبنان على المدى القصير تتمثل في إقرار خطة لبناء القدرات وإنشاء منصة إلكترونية للشراء العام ووضع مبادئ توجيهية توضيحية للقانون".

وأكد كومار جاه استعداد البنك الدولي "لمواصلة دعم لبنان في الخطوات المقبلة في هذا المجال بالتعاون مع كل الشركاء الدوليين والمؤسسات اللبنانية"، مؤكّدا على "الحاجة إلى استمرار تنسيق جهود كل الجهات المانحة وتمويل الأولويات في تنفيذ الاستراتيجية الجديدة لإصلاح الشراء العام".

وتعهد "استمرار البنك في دعم تنفيذ هذا الإصلاح الذي يشكل عنصراً اساسياً في إرساء حوكمة شفافة وقابلة للمحاسبة، خصوصاً لجهة استحداث هيئة الشراء العام الناظمة وهيئة الاعتراضات، وتمويل إصلاجات الشراء العام الإلكتروني".

رشدي: أما رشدي فنوهت بإعداد هذه الإستراتيجية، معبّرةً باسم الامم المتحدة عن اعتزازها بهذا الإنجاز المهم بعد طول انتظار. ورأت ان "الخطوة الأكثر أهمية تكمن في حشد الزخم المطلوب لضمان الارادة السياسية لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ وايلائها الاهمية القصوى".

وشددت على "أهمية إصلاح نظام المشتريات العامة كونه كفيل بتعزيز الحوكمة الرشيدة في البلاد والحد من الفساد وتحسين إدارة صرف المال العام".

طراف: وشدد السفير طراف في كلمته على "أهمية الشراء العام لتعزيز الشفافية والمساءلة ومكافحة الفساد واستعادة ثقة المواطنين والمجتمع الدولي"، مرحّباً بـاطلاق هذه الاستراتيجية مثنيا على جهود الجهات المعنية التي ساهمت في الوصول إلى هذه المحطة ومنهم النائب ياسين جابر والسيدة لميا مبيض. وتمنى تطبيق هذه الاستراتيجية.

واشار إلى أن "الاتحاد الأوروبي مستعد لدعم هذا المسار من خلال المساعدة التقنية والمالية لتطبيق هذه الاستراتيجية"، لافتاً الى "البيانين اللذين صدرا امس من المجموعة الدولية لدعم لبنان ومن الاتحاد الأوروبي عن الوضع في لبنان والتشديد على إعادة القدرة الى الحكومة لاتخاذ القرارات، والوصول إلى الانتخابات في الوقت المحدد".

دي ريكولفيس: كذلك، رأى دي ريكولفيس ان "هذا الاصلاح خطوة مهمة ننتظرها منذ فترة طويلة وهو ما نص عليه مؤتمر سيدر واطار التعافي والاعمار"، معتبراً ان "الاصلاح ضروري للبنان ولسكانه في إطار جهود مكافحة الفساد وهو اداة لمساءلة السلطات العامة ويعيد الثقة للشعب اللبناني والمجتمع المدني"، معلناً ان "فرنسا ساهمت في هذه الاستراتيجية من خلال خبراء".

النائب جابر: وشكر النائب جابر في كلمته الرئيس ميقاتي على رعايته هذا الاحتفال "مما يدل على اهتمامك بإصلاح الشراء العام في لبنان". وتمنّى "كرئيس للجنة النيابية المولجة متابعة تنفيذ القوانين أن تكون هذه المناسبة مؤشراً الى بداية انطلاقة طال انتظارها للعمل على تطبيق القوانين النافذة ولكن غير المنفذة، ويفوق عددها الـ ٧٥ قانونا، ومعظمها قوانين اصلاحية لبنان بأمس الحاجة اليها ولكن للاسف بقيت لسنوات اسيرة خزائن الحكومات المتعاقبة وجوارير الوزراء. ان اكثر ما يؤلمنا كمشرعين نبذل جهوداً كبيرة لاجل اصدار القوانين، ان نرى ان جهودنا تذهب سدى بسبب تمنع الحكومات والوزراء عن تطبيق القوانين علماً ان ذلك يشكل مخالفة دستورية فاضحة، فبحسب المواد ٦٥ و٦٦ من الدستور اللبناني مهمة الحكومات والوزراء تطبيق القوانين، إضافة الى انه من الثابت ان المدخل الى الاصلاح الحقيقي هو الالتزام بتطبيقها، وهذا هو الطريق الصحيح لاجل ان يصبح لبنان دولة قانون ومؤسسات ".

وتابع "قانون الشراء العام، موضوع احتفالنا، هو احد اهم القوانين الاصلاحية وثمرة جهود كبيرة بذلت بداية من وزارة المال عبر معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي بقيادة السيدة لمياء المبيض بساط، ومن ثم وبعد أن تقدمنا به كإقتراح قانون، عبر اللجنة النيابية الفرعية التي عملت عليه لأشهر طويلة بكل جدية وبالتشاور مع كل المعنيين في القطاع العام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، ولا بد لي أن انوه بالتعاون الذي تلقيناه من المؤسسات المحلية والدولية ومن العديد من الخبراء الذين شاركوا معنا في جلسات النقاش، كما انوه بخبراء معهد باسل فليحان الذين دعموا عملنا في اللجنة وأغنوا نقاشاتنا بما لديهم من معرفة في مجال الشراء العام . كما لا بد ان انوه بدعم رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سهل اجراءت اقرار هذا القانون وكان حريصاً على اقراره بالسرعة الممكنة. وهنا يسعدني ان أقول ان هذا القانون ليس بداية فقط لإصلاح الشراء العام، بل سعينا الى ان نضمنه خطوات اصلاحية فيما يتعلق بطريقة تعيين اعضاء هيئة الشراء العام وهيئة الاعتراضات بطريقة شفافة تساعد على وضع حد للمحاصصة وتعيين المحاسيب والازلام، وأصبحت هذه الآلية محصنة دستورياً بعد ان سقط الطعن فيها امام المجلس الدستوري، وبدأنا بتضمين هذه الآلية لقوانين جديدة اولها قانون انشاء مكتب الدواء الذي صدر مؤخراً ، ونحن في صدد تقديم اقتراح قانون لاجل تعميم هذه الالية على كل القوانين التي تتضمن تعيين هيئات ناظمة او مجالس ادارة".

وقال جابر "ونحن نطلق الاستراتيجية الوطنية لاصلاح الشراء العام علينا ان نتذكر ان هذه العملية بحاجة الى امكانات كبيرة للتحضير لاطلاق هذا المشروع الطموح وليكون جاهزاً للتنفيذ في الصيف القادم حسب ما ينص القانون. نعوّل على وزير المال وعلى المؤسسات الدولية في تأمين هذه الامكانات حتى لا تتعطل هذه المبادرة. نعلم جميعاً أن الظروف التي يمر فيها لبنان صعبة والطريق الوحيد لتجاوز الصعوبات من خلال تغيير المسار والمبادرة الى تنفيذ اصلاحات هيكلية جدية، وقانون الشراء العام هو احد اهم هذه الاصلاحات، هو خطوة في الاتجاه الصحيح وفي مسار طويل نأمل ان نتعاون جميعاً لولوجه والنجاح في وضع لبنان على سكة الخروج من ازمته".

الوزير خليل: من حانبه، ألقى وزير المال يوسف الخليل كلمة، جاء فيها:

"يسرّني أن نجتمع اليوم لإطلاق الاستراتيجيّة الوطنيّة لإصلاح الشراء العام. هي خطوة منسجمة أوَّلاً مع متطلبات الاصلاح التي التزمت به حكومتُنا، وثانياً مع مطالبة المجتَمَعين اللبناني والدولي تأمين أعلى درجات الفعّاليّة والشفافيّة والمساءلة في إنفاق المال العام.

في إصلاح الشراء العام فُرصٌ جدّيّة للتطبيق الفعلي لهذه المبادئ، وَضَعَ مداميكَها القانون الجديد، ولكن أيضا والأهمّ بالنسبة لأوضاعِنا الماليّة اليوم هو تحقيق انتظام ماليّ أكبر من خلال مبدأ الإدماج بالموازنات.

هذا المبدأ يتطلّب تخطيطاً مُسبقاً للإنفاق، ورؤية متوسطة الأجل مُدمَجة في مشروع موازنات كلّ جهة شارية في الدَولَة، بحيث لا يُمكن صَرف الأموال مِن خارِج هذا السياق، ويُصبح بالتالي لوزارة المال قُدرة فعليّة ولو بعد حين، على استشراف حاجاتِ التمويل، كما وعلى دفع مستحقّات الموردين عِند استحقاقِها ومن دون تأخير.

إصلاح الشراء العام إذاً بالنسبة إلينا هو أساس لإصلاح طريقة إدارة الدولة لإنفاق موارِدها الماليّة، أياًّ كان مصدرُ هذه الموارِد، وأيّاً كانت الجهات التي تتولى إنفاقَها، ولذلك فإن مبدأ الشموليّة هو المبدأ الأوَّل الذي نُصِرّ عليه. ومِن دون ذلك سيبقى التخبّط، ولن نتمكّن مِن تخطيط الالتزامات الماليّة للدولة، ولا تحقيق التصحيح المالي المطلوب. كما أنَّ في هذا الإصلاح مداخل لاستقطاب الاستثمارات في المشاريع الاقتصاديّة الحيويّة التي يحتاجها لبنان للنهوض باقتصاده.

وضعنا المدماك الأول، رغم الإمكانات المحدودة. اعتمدنا على أنفسِنا وعلى الطاقات البشريّة الكفؤة في إداراتِنا، وعلى الخُبرات التي راكمها معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي خلال خمسٍ وعشرين سنة مِن عطائه. وكلّفنا هذا المعهد مسؤوليّة تنسيق هذا الجهد الوطني الكبير، وكان ولا يزال على قَدَر التحدي بشاهدة المؤسسات الدوليّة وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص الذين كانوا لنا شركاء فعليّين. فاستطعنا، بفضل هذه الشراكات ومع المشورة التقنيّة التي قدّمها كلّ من البنك الدولي، والوكالة الفرنسيّة للتنمية، ومبادرة "سيغما"، من إنجاز أوّل المسح التقييمي بالاستناد إلى منهجية MAPS واقتراح قانون عصريّ أقرّه مجلس النوّاب صيف العام الماضي بعد عملٍ جبّار قاده رئيس اللجنة الفرعيّة الأستاذ ياسين جابر مشكوراً. ها نحن اليوم نقف أمام استحقاق دخول القانون حيّز التنفيذ في تموز من هذا العام. هذا تحدٍ كبير بالنسبة لنا يتطلّب عملاً تقنيّاً معقّداً، مدعّماً بإرادة سياسيّة أكيدة، وهو بالتأكيد يحتاج إلى توفير الموارد البشريّة والتقنيّة والماليّة لإنجازه ضمن المُهل المحدّدة.

من على هذا المنبر، أدعو كل الشركاء إلى توفير الدعم المُنَسّق لتنفيذ ما حدّدته استراتيجيّة إصلاح الشراء من خطوات تنفيذيّة، وأبرزها:

أولاً: إقرار المراسيم المكملة للقانون واقتراح التعديلات على القوانين الأخرى المرتبطة به.

ثانياً: إصدار الارشادات ودفاتر الشروط النموذجيّة ووضعها في متناول المعنيين.

ثالثاً: تعزيز القدرات الوطنيّة من خلال تدريب كافة العاملين في الدولة ومؤسساتها وفي البلديّات واتحاداتها وجميع الهيئات والشركات التي تُنفق مالاً عامّاً.

رابعاً: تشغيل المنصّة الالكترونيّة المركزية التي تشكل العامود الفقري للنظام الجديد.

خامساً: تعزيز الهيئة الناظِمة: هيئة الشراء العام.

سادساً: انشاء ودعم هيئة الاعتراضات وهي الهيئة الضامنة لحقوق المعترضين وفق الأسس الجديدة العصريّة للشكوى والاعتراض.

إضافةً بالطبع إلى المحاور الأخرى التي حدّدتها الاستراتيجيّة والتي ستساهم فعلياً في تحقيق الوفر، وتحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أسوة بالبلدان التي سبقتنا.

من جهتنا، سنعمل مع الرئيس ميقاتي، على أن يتم إقرار هذه الاستراتيجية في مجلس الوزراء، ووضع الخطوات العملية موضع التنفيذ، مع تحديد للأولويات، والمتابعة والرصد.

أخيراً، كلّ الامتنان للحاضرين، ولممثلي المؤسسات الدولية، وسفراء الدول الصديقة، والسيدات والسادة رؤساء الهيئات الرقابية والمدراء العامون، وممثلي القطاع الخاص، الذين ننتظر منهم المساندة والدعم للمضيّ قدماً على مسار هذا الإصلاح الصعب، حتّى لا يبقى قانون الشراء العام حِبراً على ورق، وحتّى لا يضيع كلّ الجَهد الوطني المبذول، ولكي نُطَمئن المانحين والممولين والقطاع الخاص ونؤكد لهم أننا نسير على أسس واضحة، أكيدة. مع التقدير الأكيد لجهود معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي ممثلاً برئيسته وفريق الخبراء المتخصصين". 




المركزية