كتب جورج بكاسيني
الموت صعب. أما الأصعب فهو الحديث عنه أو عن الأحبّة الذين وقعوا في قبضته.. وآخرهم فريد مكاري.
قرأ "أبو نبيل" الكتب السماوية جيداً. هرع الى الموت طمعاً بالمزيد من الحياة، فأحبّها حتى الموت. ضحكته التي لم تفارق وجهه، علّمته صناعة الفرح . ذوقه الرفيع الآتي من عالم الهندسة جعل منه الرجل الأكثر أناقة بدون منازع، والأكثر قدرة على انتقاد الآخرين على خطأ في اللون أو القياس. أما شغفه بساعات اليد فلم يَحُل دون أن تدنو ساعته.
فريد مكاري خليطٌ من ذوق وحبّ للحياة وفروسية حوّلته مقصداً لخصومه قبل محبّيه، وأوّلهم ابن منطقته النائب سليم سعادة الذي لم يردّ له طلب في أوج الخصام السياسي أو الإنتخابي.
أما السياسة التي كان سبّاقاً في الهروب من شؤونها وشجونها، فلم تكن همّه ، رغم احترافه الكثير من خصائصها، وأهمّها طقوس الانتخابات وأرقامها. والسبب أنه ابن مدرسة لا تؤمن بسياسات من دون جدوى، تماماً كالمشاريع التي لا تقوم أو تنجح من دون دراسة جدواها الاقتصادية. ابن الحريرية التي كان أول من واكبها منذ نعومة أظافرها ومن مسقط رأسها.
فريد مكاري واحدٌ من قلّة عايشوا انطلاقة هذه المدرسة وصعودها. واكب أحلام رفيق الحريري، وعايش آلام سعد الحريري حتى سبقه الى "العزوف" عن السياسة وشياطينها. مع رحيل "أبو نبيل" فقدت الحريرية بعضاً من ذاكرتها، وفقدت الكورة زيتونتها البيضاء، وخسرت "ستّ الكلّ" مها حبيباً رافقته أربعين عاماً، ونبيل جبلاً يسند ظهره إليه.
الكبار كالأبطال لا يموتون، وأنت واحدٌ منهم يا "أبو نبيل". لا بأس في استراحة تقيك من نكبات المجانين وفجور الشياطين.
"أبو نبيل "سلّم على الحبيب، وعلى كل الأحبّة، وقد صاروا كُثراً .. وضاقت بهم السماء.
الى اللقاء .