كتب عبد السلام موسى

سعد الحريري .. نموذجاً

تم النشر في 7 حزيران 2019 | 00:00

غريبٌ أمر المصطادين في الماء العكر. لم يتعلموا الدرس. ليس كل القيادات أو الأحزاب ممن تُؤكل كتفها، خصوصاً تلك التي لا تعمل تاريخياً وفق منطق عرض العضلات والفوقية وصرف نفوذ غيرها على غيرها والاستقواء بالآخرين. الرئيس سعد الحريري و"تيار المستقبل" .. نموذجاً.





هؤلاء لم يفقهوا حرفاً من المسيرة الحريرية، منذ أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري حتى أيام الرئيس سعد الحريري. منذ التسعينيات، لم تفلح كل حملات التخوين والتشكيك والاتهامات الباطلة في ثني رفيق الحريري عن النهوض بمسيرة الاعمار ونفض غبار الحرب، لا بل العكس، زادته إصراراً وخلقت حالة من التعاطف الشعبي والسياسي في ذلك الحين، أسهم في تحصين هذا المسار الذي أنجز للبنان السلم الأهلي وإعادة الإعمار والاستقرار.





وكذلك، لا زالوا يجهلون قراءة الرئيس سعد الحريري، الذي غرّهم تواضعه السياسي وابتعاده في ممارسة السياسة عن الشعارات الطنانة والرنانة، فاستوهموا المعركة .. وخسروا!.





من المفيد العودة الخاطفة إلى 8 آذار 2005. التاريخ الذي شكل الحجر الأساس في انتفاضة 14 آذار 2005. في الشكل، أرادوا تطويق تداعيات اغتيال رفيق الحريري. أما في المضمون، فكانوا يهدفون إلى وضع المدماك للمؤتمر التأسيسي الذي فشلوا في إرسائه حتى اليوم.





وجاء 14 آذار 2005 الهادر، ليطيح بشكل ومضمون 8 آذار 2005. ولم يتعلموا الدرس!.





وكرت من بعدها سبحة أحداث خاضوها وارتكبوا معاصيها ومآسيها ولم يتعظوا، من اليوم المشؤوم في 7 أيار 2008، إلى عراضة "القمصان السود" وإسقاط الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري، وغيرها من الأحداث التي لا يتسع المجال لذكرها، ولم يتعلموا الدرس!.





ولعل الحملات المتناسلة التي لم تعدم وسيلة سياسية - مذهبية بغيضة إلا ومارستها، والتي استعرت في الأيام الماضية، وصلت إلى حد "الجنون السياسي" الذي لم يعد ينفع معه إلا "الحجر السياسي"، من دون أن يُواجه بـ"جنون مقابل"، لا بل العكس، وُوجه بخطاب صلب استمد قوته من قوة الواقعية والعقلانية في مسيرة الحريرية الوطنية، وأعاد ترسيم الحدود السياسية وتحديد "خطوطها الحمر"، بأن الرئيس سعد الحريري، شاء من شاء وأبى من أبى، رقمٌ صعب في المعادلة الوطنية، وهو من موقعه رئيساً للحكومة، وزعيماً لـ"تيار المستقبل"، ليس من القيادات التي تُؤكل كتفها، ولا حتى اصبعها، لا من الغريب الذي يطل بخطاب من زمنٍ ولى، ولا من القريب الذي يدس السم في عسل الكلام و"يتمسكن ليتمكن"، لعل كلاهما يتعلم الدرس هذه المرة!.





ولعل الدرس الأهم الذي على الجميع تعلمه عدم الانسياق وراء لحظات سياسية واهية تُزين للبعض أن بعضاً من الكلام العالي النبرة يمكن أن يعلو فوق صوت الحق والحقيقة.





صحيحٌ أن التركيبة اللبنانية هي توافقية، لكنها لا تلغي يوماً الأحجام والتاريخ السياسي والأخلاقي العريق لقوىً آمنت بلبنان وطناً وخياراً نهائياً، ولن تزيح عنه. ويبقى سعد الحريري و"تيار المستقبل" .. نموذجاً.