27 نيسان 2020 | 12:59

منوعات

تراث رمضان(٤): إنارة المساجد ونشر الزينات المضيئة

تراث رمضان(٤): إنارة المساجد ونشر الزينات المضيئة

زياد سامي عيتاني*

من المظاهر الإحتفالية بشهر رمضان المبارك التي تصاحب إعلان ثبوت رؤية هلاله أن يزيد ويُكثر المسلمون من إنارة المساجد، حيث كانت الأنوار تتصل بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع وتُضاء المصابيح والأنوار والفوانيس، مما يُدهش الناظر ويسر الخاطر، وتُصبح ليالي شهر النور بالضياء باهرة وبالعطور ساحرة، مثل النجوم الساطعة في السماء الصافية...



**

•بيروت كانت تتلالأ بالأنوار الرمضانية:

بيروت كسائر المدن العربية والإسلامية كانت تكتسي الحلة الرمضانية، حيث تضاء مساجدها وزواياها الشريفة بالمصابيح والقناديل، فيصبح ليلها الرمضاني مشعاً متلألئاً كالقمر المكتمل ليلة التمام. كما كانت تتزيّن الساحات العامة والأحياء بالأعلام والأضواء وسعف النخيل الأخضر، وتنصبّ على مدخل دار الإفتاء وأبواب المساجد أقواس النصر، وترفع يافطات الترحيب برمضان والمتضمنة بعض الآيات القرآنية الكريمة من وحي المناسبة.

ويشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري في هذا السياق الى أنه في بيروت أذنت الأوقاف سنة 1909 لمدير أوقاف ولاية بيروت الحاج عبد اللطيف حمادة إبن عبد الفتاح آغا، بتنوير الجامع العمري الكبير وجامع السارايا وجامع النوفرة بالغاز الهوائي.

جدير ذكره أيضاً إلى أنه درجت العادة أيضاً خلال الحقبة العثمانية أن تزدان دار الولاية والسرايا والقشلة والمؤسسات الرسمية بكافة أنواع الزينات، حيث يشير المؤرخ عبد اللطيف فاخوري الى أنه في بيروت فقد أذنت الأوقاف سنة 1909 لمدير أوقاف ولاية بيروت الحاج عبد اللطيف حمادة إبن عبد الفتاح آغا، بتنوير الجامع العمري الكبير وجامع السارايا وجامع النوفرة بالغاز الهوائي.

وأحد أبرز أشكال الإحتفال بشهر رمضان التي كانت سائدة قي بيروت هو تزيين المناطق والشوارع بسلاسل وحبال اللمبات المضيئة والتي تضم الكثير من الألوان والحركات الضوئية التي تمتد لمئات الأمتار، وتتصل من منزل لآخر ومن شارع لشارع، ويتشارك أبناء "الحي" بمبادرة فردية منهم وعلى نفقتهن في تحضير زينة رمضان وتركيبها كإحدى أشكال التعاون التي كانت سائدة بين أبناء المنطقة الواحدة.



**

 •إضاءة المسجد النبوي من عهده:

إضاءة المسلمين لمساجدهم هي عادة تاريخية وترجع إلى العهد الإسلامي الأول، لتتوالى تباعاً خلال العصور اللاحقة وتتطور، حيث كانت كانت تتم الإنارة من خلال الأسرجة، وكانت تلك الطريقة شائعة الإستخدام منذ أيام النبي، فهي عبارة عن وعاء فيه زيت وله فتيل يشعل بالنار، حيث روى إبن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة": "ان المسجد النبوي الشريف يُضاء في الليل بإيقاد سعف النخل فيه، وظل على ذلك تسع سنين تقريباً، حتى قدم "تميم الداري" إلى المدينة المنورة في سنة تسع من الهجرة، فوجد المسجد يُضاء بسعف النخل، وكان قد أحضر معه قناديل وحبالاً وزيتاً، فعلق تلك القناديل بسواري المسجد، وأوقدها فأضاءت المسجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نوّرت مسجدنا نَوَّرَ الله عليك في الدنيا والآخرة".

**



•أول زينة رمضانية في عهد الخطاب:

إن الخليفة عمر ابن الخطّاب حينما شرع بصلاة التراويح، كان أول من أمر بإنارة الجوامع وتزيينها بالقناديل بدءً من اليوم الأول من الرمضان، حتى يتمكن المسلمون من إقامة صلاة التراويح وإحياء شعائرهم الدينية بشكلٍ سلس من جهة، وإستقبالًا للشهر الكريم بحلّةٍ جميلة من جهةٍ أخرى، حيث كانت الأنوار تتصل بين مآذن ومنارات المساجد والجوامع إلى أن تصبح ليالي رمضان ملآى بالأضواء البراقة.

في ذلك العصر، كانت إضاءة الجوامع تتمّ من خلال الأسرجة البسيطة، حيث لم تكن أكثر من أوعيةٍ يوضع فيها زيتٌ له فتيل يُشعل بالنار. وشيئًا فشيئًا، بدأت الأسرجة تختلف وتتطور أكثر، فظهرت القناديل المزخرفة والبلّورية متقنة الصنع.

وقد ذكر أنّ عمر بن الخطاب أول من علق القناديل على سور ساحة الكعبة للإنارة ليلا.

**



•الرشيد يحث على إكثار المصابيح:

وقد ذكر أحمد بن يوسف الكاتب العباسي أن الخليفة المأمون بن هارون الرشيد أمره بأن يكتب ليحثّ الناس بالإكثار من المصابيح في شهر رمضان، وتعريفهم ما في ذلك من فضل.



**

•السلطان أحمد يأمر بإنارة المساجد في العهد العثماني:

أما في العهد العثماني، فيُشار إلى أنّ أول من أمر بإنارة الجوامع والمساجد احتفالًا برمضان، كان السلطان أحمد، وذلك في عام 1617 للميلاد، فأضاء أنوار المصابيح والمشاعل التي اعتلت مختلف قبب ومآذن جوامع إسطنبول على كثرة عددها، حتى بدت المدينة وكأنها مرشوشة بالنجوم النيّرات.

**



•ليالي الوقود في مصر:

أما عن تاريخ زينة رمضان فإنها وجدت طريقها إلى الإحتفالات الدينية فى مصر منذ العصر الإسلامى، حيث كان يطلق عليها "ليالى الوقود"، ويقوم الناس برفع القناديل والفوانيس فوق المآذن ساعة الإفطار ويتم إنزالها يومياً عند ساعة الإمساك.

وكان المحتسب "راعى شئون الشارع" يأمر أصحاب المحلات بوضع قناديل على محلاتهم لإضاءة الشوارع، كما يأمر بتنظيف

الشوارع حتى يجتمع الأهالى بها بعد الإفطار ليشهدوا الأغاني الدينية فى حب رسول الله.

كما عرف عن حاكم مصر "ابن طولون" حين بنى مسجده الضخم في القطائع، علّق بسقفه السلاسل النحاسية المفرغة والقناديل المحكمة، وأن الحاكم الفاطمي بأمر الله أمر سنة 403 هـ/1012م أن يزين مسجد عمرو بن العاص بقناديل فضية، عددها 700 قنديل، زنة تلك المصابيح خمسة وعشرون قنطاراً من الفضة، كل قنطار وزنه مئة رطل، وكل رطل زنة 144 درهماً فضياً، حتى ان العمال حينما حاولوا إدخال هذه القناديل إلى المسجد لم يتسع لها أي باب من أبواب المسجد لعِظَمها، فهدموا أحد الأبواب توسيعاً للمصابيح ثمّ أعادوا الباب إلى مكانه الأول.



**

فما أن يحلّ الشهر الكريم، فذلك يعني أن تضاء القلوب بنور الرحمة، وأن تصير الليالي المباركة موئلاً للأنس والفرح، وأن تتلون الأماسي الزاهية ببهجة اللقاء، فتخرج الفوانيس والقناديل والزينات من مخابئها إلى الملأ، لتزيل عن الليل عتمته المقيمة، وتنقي القلوب من ظلمة مستبدة، ولتتنور النفوس والقلوب بنور الإيمان.

-يتبع: فانوس رمضان.








*إعلامي وباحث في التراث الشعبي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

27 نيسان 2020 12:59