11 أيار 2020 | 15:13

فن

‎"‎وحوي يا وحوي"‏‎ ..‎‏ الأغنية الأقدم بنكهة فرعونية‎!‎

أغاني رمضان(1)‏‎:‎


زياد سامي عيتاني‎*‎


شهر رمضان المبارك، هو أجمل الشهور، ينتظره المسلمون من عام إلى عام، حتى إذا ما جاء، ‏إحتفلوا به فرحين صانعين له روحاً وأجواءً خاصة، لا نشهدها ولا يمكن الإحساس بروحانياتها ‏وتجلياتها في غيره من الشهور‎.‎

ففي رمضان تكتسي الأرجاء ألواناً وزينة زاهية وحياة مفعمة وأضواءً متلألئة وأسواقاً مزدحمة، ‏وجوامع عامرة تتلو مآذنها كلام الرحمن وترفع الآذان وتنشد المدائح رالإبتهالات‎...‎

وسط تلك الأجواء، لا يكتمل المشهد الرمضاني من دون أن تصدح الإذاعات والمحطات ‏التلفزيونية، وقبلاً مكبرات الصوت في الساحات والأسواق بأغاني رمضان، التي رغم أن ‏بعضعها يعود إلى أكثر من ستين عاماً، فإنها تبقى بإيقاعاتها وترانيمها ونغماتها في الشوارع ‏والبيوت تعبر عن بهجة وفرحة رمضان، حيث أنه قبل حلول شهر الخير ، تبدأ المحطات ‏التلفزيونية ببث تلك الأغاني الرمضانية التراثية تهيئة وإستعداداً وإحتفالاً بقدومه المرتقب ‏والمنتظر، فتطرب النفوس قبل الأذان بسماع: "رمضان جانا"، "وحوي يا وحوي"، "مرحب ‏شهر الصوم"، "أهو جه يا ولاد"، وسواها من الأغاني، وصولاً إلى أحدثها "علوا البيارق"، التي ‏صارت جميعها مرتبطة بهويتنا وثقافتنا وذاكرتنا الرمضانية، وجزءاً لا يتجزأ من روحه ونفحاته ‏وطقوسه، ليفوق عدد هذه الأغاني عدد أيام الشهر الفضيل‎...‎

فأغاني رمضان تعتبر أشهر ما قُدم في التاريخ الغنائي خلال سنوات زمن الفن الجميل. إذ تحمل ‏كل أغنية شعور مختلف وأجواء مختلفة مع نفسيات أكثر إختلافاً لأجواء شهر كريم، حتى أن لكل ‏مطرب وأغنية من تلك الأغاني تاريخاً خاصاً‎...‎

‎**‎



‎•‎غنيت بثلاث صيغ مختلفة‎:‎

أغنية "وحوي يا وحوي" تعتبر الأشهر والأقدم في تاريخ أغاني رمضان، وهي الأغنية التي ‏تسبق حلول الشهر وتستقبله وتواكب أيامه ولياليه، ويرددها الصغار قبل الكبار‎...‎

وقد قُدِّمت أغنية "وحوي يا وحوي" لأول مرة سنة 1937 م بكلمات محمد حلمي المانسترلي ‏وألحان وغناء أحمد عبدالقادر، ثم أعيد غناءها مرة أخرى بكلمات فتحي قورة وألحان أحمد ‏صبرى وغناء هيام يونس من فيلم "قلبي على ولدي" إنتاج سنة 1953، ليتم غناءها للمرة الثالثة ‏والأخيرة سنة 2009 بكلمات نبيل خلف وألحان وليد سعد وغناء محمد منير‎...‎

‎**‎




‎•‎الأغنية أقدم من صوم رمضان‎(!):‎

‎ ‎إن عمر كلمات الأغنية هي أقدم من شهر رمضان نفسه‎!!!‎

‎"‎وحوي يا وحوي إيوحا"... تعود معاني هذه الجملة إلى العصر الفرعوني من خلال "واح وي ‏إيوح" وكانت الجملة تعني الترحيب بالملكة الفرعونية (إياح حتب) الملكة المصرية القديمة في ‏نهاية الأسرة السابعة عشرة‎...‎

‎**‎

‎•‎تعدد الروايات، مع ترجيح فروعنية الكلمات‎:‎

فقد تمر عليك كلمات الأغنية مرور الكرام، إلا أنك عندما تتأملها تضبط نفسك متسائلاً عن معنى ‏كلمة «وحوي يا وحوي»، وتنتابك المفاجأة عندما تعلم أن مطلع هذه الأغنية يعود للعصر ‏الفرعوني، وتحديداً في زمن السيدة إياح حتب، زوجة الملك تاعا الثاني الذي حكم البلاد في ‏أواخر القرن الثامن عشر قبل الميلاد، إذ كانت الدولة الفرعونية الوسطى تفككت واحتلها ‏الهكسوس، فما كان من إياح حتب إلا تحريض زوجها على رفع راية العصيان في وجه الغزاة، ‏لكنه توفي قبل أن يتحقق ذلك، فعمدت لابنها الأكبر ليستكمل مشوار أبيه، ولكنه مات أيضاً، ولم ‏تهدأ عزيمتها إلا بدفع ابنها الثاني أحمس للمهمة، ونجح في طرد الهكسوس‎.‎

وبعد الانتصار الكبير الذي حققه الملك أحمس خرج المصريون في استقبال والدته الملكة إياح ‏حاملين المشاعل والمصابيح يتغنون ب«وحوي يا وحوي إياحه» ومعناها «مرحباً يا قمر» ‏تقديراً للتضحيات الكبيرة للملكة إياح التي قدمتها فداءً للوطن‎.‎

وفي هذا الإطار، يشير أثريون إلى أن المصريين القدماء كانوا يخرجون للترحيب بالقمر مطلع ‏كل شهر، وكانوا يغنون "وحوي يا وحوي‎".‎

ويُقال أيضا إن عبارة "وحوي يا وحوي إياحة" تنتمي للغة القبطية، وتعني "اقتربوا اقتربوا لرؤية ‏الهلال"، وهو أيضًا معنى مرتبط بشهر رمضان‎.‎

بينما قال إبراهيم أحمد إبراهيم صاحب موسوعة «أغنيات وحكايات»: هناك رأي آخر يرجع ‏كلمات هذه الأغنية إلى العصر الفاطمي، نظراً لتشابه كلماتها مع أغنية تراثية يقول مطلعها: ‏أحوي أحوي إياها، بنت السلطان إياها، لابسة القفطان إياها‎.‎

حتى الآن، لا توجد رواية مؤكدة عن سبب أو أصل التسمية، لكن الأكثر ميلاً للصحة أن لفظ ‏‏"وحوي" الفرعوني، إنتقل عبر الزمن حتى وقتنا هذا‎.‎

‎ ‎ومع تطور الزمن، تطورت أساليب التهليل والترحيب بالشهر الكريم، وأضاف مؤلفو أشهر ‏أغنية رمضانية لمسة لها من مصر المعاصرة، فأصبحت نغمة ثابتة للشهر الكريم نستمع إليها كل ‏عام‎.‎

ومن هنا ارتبطت المشاعل التي تحولت إلى فوانيس مع مرور الزمان بتلك الأغنية التي تعتبر ‏كلمات فرعونية انتشرت في العالم العربي، وتحولت إلى أغان لا نسمعها إلا مع حلول الشهر ‏الكريم‎.‎

تلك الكلمات التي استنبط روحها الشاعر حسين حلمي المانستيرلي ليحولها لاحتفالية خاصة بقدوم ‏الشهر الفضيل، عندما لحنها أحمد الشريف، وغناها أحمد عبد القادر للإذاعة المصرية‎.‎

‎**‎



‎•‎مغنيها يتنازل عن "أهلاً رمضان‎":‎

عندما فتحت الإذاعة أبوابها عام 1934، دخلها شاب صغير من محافظة الشرقية بنظاراته ‏المُدوّرة وحيائه الريفي طالبا أن يكون جزءا منها، ليصير الملحن والمغني "أحمد عبد القادر" من ‏أوائل من انضموا إلى الإذاعة المصرية في سنواتها الأولى‎.‎

حينها، كان يتم تخصيص خمس عشرة دقيقة لكل ملحن يختار فيها أغنيات ثلاث للبث. وقبيل ‏مجيء رمضان في أحد أعوام منتصف الثلاثينيات، تقدم عبد القادر بثلاث أغنيات كان منها ‏‏"وحوي يا وحوي" و"رمضان جانا"، رفض المسؤولون أن يقوم بغنائها جميعا، فاكتفى بـ ‏‏"وحوي يا وحوي" وصارت "رمضان جانا" من نصيب محمد عبد المطلب‎.‎

بينما حلّقت "وحوي يا وحوي" بعيدا فوق صوت عبد القادر لتصل إلى كل المصريين ثم إلى ‏سائر العالم العربي، بقي عبد القادر غير معروف سوى للقليلين‎.‎

في أيامه الأخيرة، دخل عبد القادر مرحلة من التصوف صار فيها مبتهلا في الإذاعة ومقرئا في ‏أحد مساجد حي الحسين، ورحل بعدها في صمت وهدوء، مهديا لنا أغنيته الخالدة التي دخلت في ‏نسيج ذكرياتنا جميعا‎.‎

‎**‎

أياً يكن تاريخ وأصل كلمات "وحوي.. يا وحوي...ياحو"، فإنها الأغنية التي تبشرنا بقدوم شهر ‏رمضان المبارك وتهيئنا لإستقباله والإحتفال به ضيفاً عزيزاً منتظراً كل عام‎...‎

‎**‎

‎-‎يتبع: رمضان جانا‎.‎

‎*‎إعلامي وباحث في التراث الشعبي‎.‎

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

11 أيار 2020 15:13