أشار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في رسالة لمناسبة ذكرى السنة الهجرية الجديدة، إلى أن "هذه الذِكرَى تَحُل عَلينا والنَّكَبَاتُ تُحِيطُ بِالشَّعْبِ اللبنانِيّ ونعم، نحنُ مُحَاصَرُون، وَليسَ في شِعْبٍ وَاحِد، بلْ فِي شِعَاب. مُحَاصَرُونَ فِي شُعْبَةِ المَحرُوقَات وَمُحَاصَرُونَ فِي شُعبَةِ الدَّوَاء ومُحَاصَرُونَ فِي شُعْبَةِ الغِذَاء، ومُحَاصَرُونَ فِي شُعْبَةِ الوَبَاء، ومُحَاصَرُونَ فِي شِعَابٍ لا تَكَادُ تُحْصَى، وَأوَّلُها وَأهَمُّها أَنَّهُ مَمْنُوعٌ علينا أَنْ تَكُونَ عِندَنَا حُكومَةٌ، يُمكِنُ أَنْ تُدِيرَ شُؤُونِنَا، وَتُخْرِجَنَا مِنَ النُدْرَة، وَمِنْ أَهْوَالِ الجُوعِ وَالفُقْدَان: فَهَلِ الحَالَةُ التي نَحنُ فيها تَسْتَدْعِي الهِجرَة؟ لَقَدْ فَارَقَنَا عَشَرَاتُ الأُلُوفِ مِنَ الأَكْفِيَاءِ الأَذْكِيَاء، خِلالَ العَامَينِ المَاضِيَين، فازدَدْنَا بُؤسَاً وًفًقراً".
وسأل: "فَمَنِ الذينَ يُحَاصِرُونَنَا في لبنانَ اليوم، وَمَنِ الذينَ يُرِيدُونَنَا أَنْ نُهَاجِرَ وَلا نَعُود؟ إنَّهُمْ هُمْ أَنفُسُهُمُ الذين يَضِنُّونَ علينا وَمِنْ أَمْوَالِنَا بِالغِذَاءِ وَبِالدَّوَاءِ وَبِالمَحرُوقَات، بَلْ وَلا يَسْمَحُونَ بِتَشْكِيلِ حُكُومَةٍ أَو جِهَةٍ يُمْكِنُ لنا التَّوَجُّهُ إليها بِالسُّؤَالِ وَالمُحَاسَبَة، أَوْ حَتَّى بِالشَّكْوَى!". وأوضح "أنهم يُرِيدُونَ أَنْ لا نَتَمَسَّكَ بِوَطَنِنَا وَبِمُجْتَمَعِنَا، وَبِعَيشِنَا المُشْتَرَك، وَبِالمَعْنَى الكَبِيرِ لِلُبْنانَ الرِّسَالَة. لقد رَاقَبْتُ قَبْلَ أَيَامٍ عَشَرَاتِ الآلافِ مِنْ شَبَابِ لبنانَ وَشَابَّاتِه، وَشُيُوخِهِ وَأطفَالِه، وَهُمْ يَجْتَمِعُونَ بِالمَرفَأِ وَمِنْ حَولِه، يَنْعَونَ مَنْ فَقَدُوا، وَيُعلِنُونَ التَّصمِيمَ على مَطَالِبِ العَدَالَة. وَهُمْ بِذلِكَ يُعلِنُونَ الإيمانَ بِوَطَنِهِمْ، وَيَطلُبونِ الأَمَانَةَ وَالثِّقَةَ فِي إدارَةِ شُؤونِه، وَيَفْتَقِدُونَ الإحساسَ بِالمَسؤُولِيَّة، مِنْ جَانِبِ أُولئكَ الذين يَعْتَزُّونَ بِالسَيطَرَةِ عليهم: فَهَلْ هي سَيطَرَةٌ مِنْ أَجْلِ الإِفْقَارِ وَالتَّهْجِير؟".
وشدد دريان، على "أَنَّ التَّغيِيرَ يَعتَمِدُ علينا. وهذا ما تَقُولُهُ الآيَةُ القُرآنِيَّةُ؛ وقَالَهُ لنَا المُجْتَمَعِ الدَّولِيّ، فِي مُؤْتَمَرِ بَارِيسَ يَومَ الرَّابِعِ مِنْ آبَ الحَالِيّ. وقَالَهُ الرَّئيسُ الفَرَنْسِيّ، وقالَهُ وَزِيرُ الخَارِجِيَّةِ السُّعُودِيّ، وَقَالَهُ كُلُّ الحَاضِرِينَ فِي المُؤْتَمَرِ الفَرَنْسِيِّ الثَّالِث، لِلتَّضَامُنِ مَعَ الشَّعْبِ اللبنانِيِّ المَنْكُوب، نَعَمْ المَنْكُوبِ بِقِيَادَاتِهِ السِّيَاسِيَّةِ وَمَسؤُولِيه، ولذلك، إذا أردْنَا إِنقَاذَ الوَطَنِ وَالدَّولة، فإنَّهُ يَكونُ علينا لا أَنْ نُهَاجِر، بَلْ أَنْ نُغَيِّرَ أُولئكَ الذين يُصِمُّونَ آذَانَهُمْ وَضَمَائرَهُمْ وَعُيُونَهُمْ عَنْ بُؤْسِ الشَّعْبِ اللبنانِيّ، وَمُشْكِلاتِهِ التي ازْدَادَتِ اسْتِعْصَاءً فِي عَهدِهِمُ المَيمُون. نعم، لا بُدَّ مِنَ التَّغيِيرِ بِأَيِّ شَكْل".
وأكد "أننا أَهْلَ الدِّين، لا نُحِبُّ الفَوضَى، لكنَّ هؤلاءِ هُمُ الذين يَدفَعُونَ المُواطِنِينَ بِالقُوَّةِ إلى الفَوضَى، وإلى المُعَارَضَة، التي نَخْشَى أَنْ تُصبِحَ عَنِيفَةً وَغَيرَ رَشِيدَة. بِمَاذَا طَالَبَ كُلُّ رِجالِ الدِّين، وَخِلالَ عَامٍ وَنِصف؟ لقَدْ طَالَبُوا بِالبَدِيهِيِّ فِي كُلِّ بلدٍ مِنْ بُلدَانِ العَالَمِ المُتَحَضِّرِ وَغَيرِ المُتَحَضِّر . طَالَبُوا بِحُكُومَةٍ لإدَارَةِ البِلاد . طَالَبُوا بِإِخرَاجِ لُبنانَ مِنْ أَهوَالِ المَحَاوِرِ المُتَصَارِعَة. طَالَبُوا بِأَنْ تُسَيْطِرَ الدَّولَةُ عَلى مَرَافِقِها، وَأَنْ تَضْبِطَ حُدُودَهَا، فَتَحُولَ دُونَ الجَرِيمَةِ وَالتَّهدِيد. طَالَبُوا بِعَدَمِ مُعَادَاتِ العَرَبِ وَالعَالَم. طَالَبُوا بِمُكَافَحَةِ الفَسَاد. لا يَستَطِيعُ رَجُلُ الدِّينِ نِسيانَ دِينِه وَأَخلاقِهِ وَضَمِيرِه، مَا عُدْنَا نَستَطِيعُ الصَّمْت، لأنَّ السَّاكِتَ عَنِ الحَقِّ شَيطَانٌ أَخْرَس، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيف".
ولفت دريان، إلى أن "تشكيلَ الحكومة، حكومةِ الإنقاذِ التي يُرِيدُها اللبنانيون والمُجتمعُ العربيُّ والدَّوليّ، هي بدايةُ حلِّ آلامِ المواطنين وعذاباتِهِمْ، والأزمةُ اللبنانيَّة، حلُّها بيدِ اللبنانيِّين، فهُمُ الذين يُعانون عَدَمَ تَوَافُرِ أسبابِ العيشِ الكريم، لذا عليكم أيها المسؤولونَ أنْ تُقدِّمُوا مَصلحَةَ لبنانَ على كُلِّ مَصالِحِ الآخَرِين، وأيُّ كلامٍ غَيرُ هذا، مَضيعَةٌ للوقت، وإلهَاءٌ لِلنَّاس، الذين يتخبَّطون في أزَمَاتٍ مَعِيشِيَّةٍ واقتصادِيَّةٍ وأمنِيَّهٍ أحياناً، والدَّولةُ والسُّلطَةُ الحاكمة، تَتَحَمَّلُ مَسؤوليَّةَ مَا وصَلَ إليه الوَضعُ في لبنان، مِنِ اهْتِرَاءٍ وانهيارٍ أَطَاحَ بِكُلِّ مُقَوِّمَاتِ الحياةِ الكريم". ورأى أن "الفَسَادُ يَعُمُّ البلاد، والإصلاحُ يَتَطَلَّبُ جُهوداً كبيرةً مِنَ الحكومَةِ العتِيدة، التي نَأْمَلُ أنْ تُشَكَّلَ خِلالَ أيامٍ قليلة، فالتأخيرُ في التشكيل، يَدفَعُ ثَمَنَهُ المُواطنون جَميعاً، مِنْ حياتِهِم وأرزاقِهِمْ ومُستقبَلِهِمْ ومُستَقبَلِ أبنائهِم، وهذا خَطَرٌ على كِيانِ الدَّولةِ التي تكادُ تَلْفِظُ أَنْفَاسَها الأخيرة، ومَعَ هذا يبقى الشَّعْبُ اللبنانيُّ صابراً مُحْتَسِباً، يَحمِلُ في نَفسِهِ ثِقةً لا تُزَعزِعُها الأنواء، ويبقى في قلبِهِ صَبرٌ وإيمانٌ بأنَّ الحقَّ سيعلو، وأنَّ الوطَنَ سينهض، وأنَّ ما تُقدِّمُه الدُّوَلُ الصَّديقةُ مِنْ جُرُعَاتِ دَعْمٍ وُعِدَ بها لبنانُ في مؤتمرِ الدَّعمِ الدَّولِيِّ المُنعَقِدِ مُؤَخَّراً سيكونُ أوَّلَ الغيث".
وسأل دريان: "فيا مسؤولي لبنانَ وَيحَكُمْ ماذا فَعَلْتُمْ بلبنان؟ وماذا تَنتَظِرُون لِإنقاذِ بَلدِكُمْ؟ أمَا كفاكُمْ تلهِّياً بِخلافاتِكُم، وتنازُعاً على مُكتَسَبَاتِكُم وَحِصَصِكُم؟ أين المسؤوليةُ الوَطَنِيَّة؟ وأين المُبَادَرَاتُ الفَورِيَّةُ والعاجِلَةُ لإنقاذِ اللبنانيين الذين جَنيتُمْ عليهِم، وأدخلتُموهُمْ في نَفَقِ الذُّلِّ والهَوان، أين أنتم؟ بل أين هي المسؤوليَّةُ منكم؟ لا يَسَعُنا إلا أنْ نقول: حَسْبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل". وشدد على أن "لا مكانَ للفِتْنَةِ بين المسلمينَ في لبنان، كما أنَّهُ لا مكانَ للفِتنةِ بين اللبنانيين، رغمَ تَنَوُّعِهِمُ السِّيَاسِيِّ وَالفِكرِيّ، فلبنانُ أَمانَةُ هذا الشَّرقِ العربيِّ ورسالتُه، وما حَصَلَ خِلالَ الأيامِ القليلةِ الماضية، يَحتاجُ إلى كثيرِ من الحِكمَة والرِجَال، وَدولَةٍ تعي المَخَاطِرَ التي تُهَدِّدُ وُجودَها والكِيان، فالعَدُوُّ الصُّهيونِيُّ الحَاقِد، لا يُمَيِّزُ بين اللبنانيِّين ولا بين مَناطِقِهِم". وتوجه للمسؤولين بالقول: "اِتَّقُوا اللهَ في هذا الوطن، واتَّقُوا الله في عذاباتِ المواطنين الذين يبحثون عنِ الغِذاءِ والدَّواءِ والماءِ والكَهرَباءِ والمحروقات، فيما الغلاءُ والبلاءُ والوباءُ يَفتَرِسُهُم ، فماذا أنتم فاعلون؟".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.