كتب جورج بكاسيني
لم يكن ينقص "صوت الذين لا صوت لهم "سوى الإنضمام الى قائمتهم ، ليكتمل نصاب الغياب . هو اختار بدايةً خفض صوته قليلاً ، قبل أن يستلّ الوترَ تلوَ الوتر حتى الرمق الأخير .
منذ أن توقفت "السفير" عن الصدور دقّت ساعة طلال سلمان . استبق هزيمته الأخيرة بانسحاب هادئ ، بعد أن واجه الهزائم المتعاقبة في فلسطين وفي دنيا العرب بسلاحه الأبيض .
لم يكتفِ "أبو أحمد" القادم من شمسطار الى بيروت بالتدرّج من إحدى مطابعها وصولاً الى رئاسة تحرير أكبر صحفها . انضمّ باكراً الى نادي كبار الصحفيين العرب ، في حضورهم وغيابهم ، فقرّر الرحيل قبل أسابيع من موعد مئوية صديقه المزمن محمد حسنين هيكل ، الذي كنا كلما حضر الى بيروت نفاجأ بترؤسه اجتماع التحرير الصباحي في الطابق الثاني .
قابل رؤساء وملوكاً وقيادات فناصر بعضهم وهجا بعضهم الآخر ، فيما أصبحت "السفير" منصّة لقضايا وملجأً لرموز ، من دون أن تنجو من القصف الإسرائيلي كلما لجأ إليها أبو عمار إبان الإجتياح .
كان طلال سلمان رئيساً للتحرير ومحرّراً ومُخبراً في آن . استضاف كبار القادة في مكتبه في الطابق السادس بحضور عشرات الزملاء . وإذا زار رئيساً أو وزيراً اصطحب الزميل ابراهيم الأمين وكاتب هذه السطور معه . أما إذا حان موعد اجتماع التحرير الصباحي فكان أول الواصلين اليه ، ليعود الى الاجتماع المسائي في مكتب الزميل ساطع نورالدين لاختيار مواد الصفحة الأولى مع الزميل فيصل سلمان والزميل الراحل جوزف سماحة .
هذا غيض من فيض تجربة تعاقب عليها كبار الكتّاب والصحافيين اللبنانيين والعرب الذين تركوا بصمات لا تُنسى في تاريخ المهنة الحديث . كانت "السفير" نقطة جذب لكل هؤلاء ومصنعاً لأجيال جديدة من الصحافيين ، تماماً كما كان رئيس التحرير نقطة الإرتكاز لهذه المدرسة .
هموم فلسطين والعرب لم تُطفئ فيه حب الحياة . كما لم يمنعه لقاء طويل مع رئيس عربي من أن يختم يومه بسهرة "شمسطارية" في مزرعته الأحب الى قلبه ، بحضور ضيفين دائمين لا يفارقانه : عبد الكريم الشعار وفرقة الصلح للدبكة .
مع طلال سلمان بكيت مرتين : الأولى يوم قدمت له استقالتي من الجريدة ، والثانية يوم قرأت خبر رحيله .
طالما افتخرت بأنني تعلّمت "سرّ المهنة " على يديه .. وسأبقى .
وكلنا "على الطريق"..
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.