الرئيس بري تخلى عن صمته، فأعلن رفضه "الثلث المعطل" الذي طالب به الرئيس عون وصهره (الحبيب) باسيل. قد لا يكون هذا غريباً، بل الأغرب أن تبادر أوساط القصر الجماهيري إلى نفي تمسكها بهذا الثلث. وكأن المطالبة به كان من دولة أخرى، هكذا يتعامل السيد عون مع القضايا: يطالب بها، وعندما تفشل يتنكر لها، فما بالك بصهره المفدى، الذي يبدو في هذه المبادرة الجديدة لبرّي (يرافقها انبعاث مشروع ماكرون والذي يتلخص بتأليف حكومة خبراء واختصاصيين غير حزبيين) مصعوقاً.هل يا ترى تخلى عنه حزب الله في هذه اللحظات الحاسمة؟ هل يتضمن موقف بري موافقة الحزب ودفعاً باتجاهه. وهل سيتمكن بعدها الرئيس الحريريمن تأليف حكومته وعرضها على الرئيس ليوافق عليها؟ أم أن الرئيس المفدى سيبقى مصراً على مشاركة الحريري بالتأليف واختيار الوزراء المسيحيين لاحترام الميثاقية! هنا نقطة مهمة: استعادة نبرة حقوق المسيحيين من الطاقة الرئاسية، وكلنا نعرف أن مسيحيي عون وباسيل الذين يختارهم هم أزلامه من التيار الوطني الحر. بل كأن هذا الشعار لا يُرفع إلى لتحويل الحكومة السياسية إلى مذهبية.وهذا ديدبان عون منذ بداية ظهوره:استنفار مسيحي في الحرب التحريرية المزعومة على الوصاية السورية، والتي أدت إلى خداع الناس وتضليلهم، وطمس أن الحرب ليست تحريرية... بل متصلة بوصوله إلى الرئاسة: بعث عون برسالة استعطاف واستجداء إلى الرئيس حافظ الأسد نُشرت في جريدة السفير (طبق الأصل) ومنها: "أتمنى أن أكون جندياً صغيراً في جيشك الكبير". ولما رفض الأسد تبني طموح عون إلى الرئاسة، أعلن حرباً تحريرية تافهة، مجنونة، فحلّ مجلس النواب، واعتبر حكومة الحص غير شرعية، وألّف أول حكومة غير ميثاقية عسكرية كل أعضائها مسيحيون!
فكلما أراد عون وتابعه باسيل أن يصادران "حصص" الأطراف المسيحية الأخرى ووجودهم، يرفعون شعار "حقوق المسيحيين!". هكذا استطاع باسيل (بدعم حزب الله) أن يواجه من يعارضهبسحب بطاقته المسيحية ضد هؤلاء، خصوصاً إذا كانوا من طوائف أخرى. هذا ما فعله مؤخراً على امتداد الأزمة الحكومية: الحصة الوازنة لامتلاك الثلث المعطل باسم "المسيحيين" ليصور الصراع السياسي وبشكل مذهبي مع السنة، كأن السنة هم الذين يصادرون حقوق المسيحيين وقد قاد هذه المعارك بلغة لا يقال فيها سوى أنها قذرة، تحمل بذور الفتن والانقسامات بل الطريق المستطرف أن باسيل في خطابه الأخير التافه توجه إلى "مسيحيي الشرق" وكأنه الناطق باسمهم، بل كأن هؤلاء المسيحيين في مصر والعراق والسودان وسوريا جزء من شعبيته، وهو أصلاً يجهل أين هم، وأعدادهم، وأنه الضفدع المنفوخ أمام مرآته بصورة أسد، بل كأن مرآته كلما تمرأى بها تبصق في وجهه. بل كأن هذا "الخرتيت" عمد باسم المسيحيين أنفسهم. فصلهم عن أرومتهم العربية، وعن انتماءاتهم التاريخية لخدمة إيران، ولبشار الأسد، ونحن متأكدون أن هذا الأمّي يجهل دور المسيحيين في التنوير العربي، وفي الحداثة العربية، وفي الثقافة التي أسست للانتقال إلى عصر الديمقراطية، والمدنية، والسياسية والإبداعية!
والأطرف من الطريف، أن هذا المتهم بالفسادمن كل العالم،ومن معظم اللبنانيين، يجد نفسه محارباً للفساد، داعياً إلى فتح ملفات الطاقة التي انتهبها على مدى خمسة عشر عاماً مع حلفائه في محور المقاومة. "خرتيت" الجمهورية يتهم الآخرين بما ارتكبه، ومن لا يعرف ثرواته الخيالية التي "جناها" أنه النموذج الأمثل على شخص يعاني من انفصامات حادة في شخصياته وأشخاصه مصاباً بما يسمى بالميغالومانيا (جنون العظمة) وكما تماهى عمه الرئيس بنابليون... يتماهى هو بكبار السياسيين، وهو ليس له من الثقافة السياسية سوى الشعارات المذهبية، وليس له من الأفكار سوى ما يتقيأ به من شعبوية بالية.
بل نظن أن هذا "الفرخ" ليس شعبوياً فقط، بل شعوبي أيضاً "ينتمي" خدمة لمصالحه للامبراطورية الفارسية أكثر من انتمائه للبنانيته ولأرومته العربية كأنه لا يختلف عن حوثيي اليمن، يذكرني كثيراً بعبد الملك الحوثي.يغير هوياته ويستبدلها بأي أخرى... إذا اقتضت مصلحته ذلك.
هل همد باسيل بعد صفعة بري له ولعمه؟ هل يرعوي بعدما انبعثت خطة ماكرون ومشروعه لحكومة اختصاصيين؟ وتأييد الحزب للبادرتين؟ كلاّ فهذا لا يمارس السياسة، بسوية نفسية طبيعية. اثنان يهمان هذا الشعبوي، المال والسلطة... وما "بعده الطوفان".
بل العجب العجاب، أن يفكر مثل هذا "الخرتيت" مجرد التفكير، برئاسة الجمهورية، لو لم يكن الوضع العبث قد أدرك أو من مستويات الانحطاط!.