كتب بول شاوول

جبران الحوثي!‏

تم النشر في 5 شباط 2021 | 00:00

الرئيس بري تخلى عن صمته، فأعلن رفضه "الثلث المعطل" الذي طالب ‏به الرئيس عون وصهره (الحبيب) باسيل. قد لا يكون هذا غريباً، بل الأغرب ‏أن تبادر أوساط القصر الجماهيري إلى نفي تمسكها بهذا الثلث. وكأن المطالبة ‏به كان من دولة أخرى، هكذا يتعامل السيد عون مع القضايا: يطالب بها، ‏وعندما تفشل يتنكر لها، فما بالك بصهره المفدى، الذي يبدو في هذه المبادرة ‏الجديدة لبرّي (يرافقها انبعاث مشروع ماكرون والذي يتلخص بتأليف حكومة ‏خبراء واختصاصيين غير حزبيين) مصعوقاً.هل يا ترى تخلى عنه حزب الله ‏في هذه اللحظات الحاسمة؟ هل يتضمن موقف بري موافقة الحزب ودفعاً ‏باتجاهه. وهل سيتمكن بعدها الرئيس الحريريمن تأليف حكومته وعرضها على ‏الرئيس ليوافق عليها؟ أم أن الرئيس المفدى سيبقى مصراً على مشاركة ‏الحريري بالتأليف واختيار الوزراء المسيحيين لاحترام الميثاقية! هنا نقطة ‏مهمة: استعادة نبرة حقوق المسيحيين من الطاقة الرئاسية، وكلنا نعرف أن ‏مسيحيي عون وباسيل الذين يختارهم هم أزلامه من التيار الوطني الحر. بل ‏كأن هذا الشعار لا يُرفع إلى لتحويل الحكومة السياسية إلى مذهبية.وهذا ديدبان ‏عون منذ بداية ظهوره:استنفار مسيحي في الحرب التحريرية المزعومة على ‏الوصاية السورية، والتي أدت إلى خداع الناس وتضليلهم، وطمس أن الحرب ‏ليست تحريرية... بل متصلة بوصوله إلى الرئاسة: بعث عون برسالة استعطاف ‏واستجداء إلى الرئيس حافظ الأسد نُشرت في جريدة السفير (طبق الأصل) ‏ومنها: "أتمنى أن أكون جندياً صغيراً في جيشك الكبير". ولما رفض الأسد تبني ‏طموح عون إلى الرئاسة، أعلن حرباً تحريرية تافهة، مجنونة، فحلّ مجلس ‏النواب، واعتبر حكومة الحص غير شرعية، وألّف أول حكومة غير ميثاقية ‏عسكرية كل أعضائها مسيحيون!‏

فكلما أراد عون وتابعه باسيل أن يصادران "حصص" الأطراف المسيحية ‏الأخرى ووجودهم، يرفعون شعار "حقوق المسيحيين!". هكذا استطاع باسيل ‏‏(بدعم حزب الله) أن يواجه من يعارضهبسحب بطاقته المسيحية ضد هؤلاء، ‏خصوصاً إذا كانوا من طوائف أخرى. هذا ما فعله مؤخراً على امتداد الأزمة ‏الحكومية: الحصة الوازنة لامتلاك الثلث المعطل باسم "المسيحيين" ليصور ‏الصراع السياسي وبشكل مذهبي مع السنة، كأن السنة هم الذين يصادرون ‏حقوق المسيحيين وقد قاد هذه المعارك بلغة لا يقال فيها سوى أنها قذرة، تحمل ‏بذور الفتن والانقسامات بل الطريق المستطرف أن باسيل في خطابه الأخير ‏التافه توجه إلى "مسيحيي الشرق" وكأنه الناطق باسمهم، بل كأن هؤلاء ‏المسيحيين في مصر والعراق والسودان وسوريا جزء من شعبيته، وهو أصلاً ‏يجهل أين هم، وأعدادهم، وأنه الضفدع المنفوخ أمام مرآته بصورة أسد، بل كأن ‏مرآته كلما تمرأى بها تبصق في وجهه. بل كأن هذا "الخرتيت" عمد باسم ‏المسيحيين أنفسهم. فصلهم عن أرومتهم العربية، وعن انتماءاتهم التاريخية ‏لخدمة إيران، ولبشار الأسد، ونحن متأكدون أن هذا الأمّي يجهل دور المسيحيين ‏في التنوير العربي، وفي الحداثة العربية، وفي الثقافة التي أسست للانتقال إلى ‏عصر الديمقراطية، والمدنية، والسياسية والإبداعية!‏

والأطرف من الطريف، أن هذا المتهم بالفسادمن كل العالم،ومن معظم ‏اللبنانيين، يجد نفسه محارباً للفساد، داعياً إلى فتح ملفات الطاقة التي انتهبها ‏على مدى خمسة عشر عاماً مع حلفائه في محور المقاومة. "خرتيت" الجمهورية ‏يتهم الآخرين بما ارتكبه، ومن لا يعرف ثرواته الخيالية التي "جناها" أنه ‏النموذج الأمثل على شخص يعاني من انفصامات حادة في شخصياته وأشخاصه ‏مصاباً بما يسمى بالميغالومانيا (جنون العظمة) وكما تماهى عمه الرئيس ‏بنابليون... يتماهى هو بكبار السياسيين، وهو ليس له من الثقافة السياسية سوى ‏الشعارات المذهبية، وليس له من الأفكار سوى ما يتقيأ به من شعبوية بالية.‏

بل نظن أن هذا "الفرخ" ليس شعبوياً فقط، بل شعوبي أيضاً "ينتمي" ‏خدمة لمصالحه للامبراطورية الفارسية أكثر من انتمائه للبنانيته ولأرومته ‏العربية كأنه لا يختلف عن حوثيي اليمن، يذكرني كثيراً بعبد الملك الحوثي.يغير ‏هوياته ويستبدلها بأي أخرى... إذا اقتضت مصلحته ذلك.‏

هل همد باسيل بعد صفعة بري له ولعمه؟ هل يرعوي بعدما انبعثت خطة ‏ماكرون ومشروعه لحكومة اختصاصيين؟ وتأييد الحزب للبادرتين؟ كلاّ فهذا لا ‏يمارس السياسة، بسوية نفسية طبيعية. اثنان يهمان هذا الشعبوي، المال ‏والسلطة... وما "بعده الطوفان".‏

بل العجب العجاب، أن يفكر مثل هذا "الخرتيت" مجرد التفكير، برئاسة ‏الجمهورية، لو لم يكن الوضع العبث قد أدرك أو من مستويات الانحطاط!.‏