كتب جورج بكاسيني
مرة جديدة تتنصّل " القوات اللبنانية" من المسؤولية لترميها على الآخرين . آخر العيّنات ما صدر بعد ظهر اليوم عن دائرتها الإعلامية رداً على اتهام الرئيس سعد الحريري لها ولرئيس الجمهورية ميشال عون ب" تثبيت الفراغ". أما الحجة فجاءت على شكل سؤال : " هل يستطيع الحريري أن يدلّنا على واقعة واحدة تؤشّر الى أن القوات تريد تثبيت الفراغ ".
وواقع الحال أن السؤال يفترض أن يوَجّه بشكل معكوس : هل يمكن أن تدلّنا " القوات" على موقف لها لا يثبّت الفراغ ؟
ذلك أن ردّ الدائرة المشار إليه نفسه يُثبت ذلك مع اعتراف "القوات" بأنها لم تسمّ أحداً لرئاسة الحكومة منذ سنة ونصف السنة ( أي منذ بدء الانهيار ) بانتظار " الانتخابات النيابية المبكرة " غير الممكنة ، بعلم " القوات" وغيرها من القوى السياسية ، منذ اجتماع قصر الصنوبر برعاية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي لم يتوصل الى توافق على تبكير موعد هذا الاستحقاق .
فما هو الإسم الذي يمكن إطلاقه على هذا الموقف غير " تثبيت الفراغ" ، الذي يعني "تثبيت "مآسي اللبنانيين ومعاناتهم بانتظار استحقاق معروف سلفاً أنه غير ممكن إلا في موعده أي بعد عشرة شهور ؟
ثانياً : كيف يمكن الانكفاء عن المشاركة في العملية السياسية الكفيلة وحدها بمعالجة شؤون البلاد والعباد، والرهان على فرضية تغيير " التركيبة الحاكمة" التي قد تنجح وقد لا تنجح .. مع التذكير بأن قوى ١٤ آذار فازت بأكثريتين نيابيتين في ٢٠٠٥ و ٢٠٠٩ ولم تتمكّن من الإصلاح المنشود .
ثالثاً : لو تدلّنا " القوات" على موقف واحد لا يتطابق مع مواقف " تيار الفراغ" ، كما كانت تسمّيه " القوات" ،أي التيار " الوطني الحرّ" ، وآخرها رفض الطرفين تسمية رئيس للحكومة .
وكيف يمكن تفسير التطابق في المواقف بين الجانبين حول ملف الحصانات بشأن جريمة المرفأ ، بعد أن جاء موقف رئيس " الوطني الحر" جبران باسيل مساء أمس نسخة طبق الأصل عن موقف رئيس " القوات" بعد الظهر ، بقصد التفاف الرجلين على اقتراح الحريري المتقدم على اقتراحاتهما المتطابقة ، والرامية الى الاكتفاء برفع الحصانات عن النواب والوزراء من دون الاقتراب من رئيس الجمهورية وكذلك المتهمين بإحضار النيترات الى المرفأ . أليس هذا " تثبيتاً للفراغ" القائم في قضية هي الأخطر في تاريخ الجمهورية ؟
إن تهمة " تعميق روح التشرذم والتفتّت " يفترض أن تُوجّه الى من تمسّك بنظرية " الرئيس القوي" لطائفته ورفض تبنّيها مع الآخرين ، وليس لمن تجاوز اعتباراته السياسية والشعبية من أجل توفير توافق وإنهاء مسلسل " تثبيت الفراغ ".
وأخيراً وليس آخراً إن إخراج اللبنانيين من هذا " الوضع الأليم " يكون عن طريق المشاركة في إيجاد حلول ، رغم كل العقبات ، وليس بالرهان على فرضيات لا تسمن من جوع ، ولا تقود سوى الى زيادة نائب أو إثنين لهذه الكتلة أو تلك من أجل ولادة " رئيس قوي" جديد سئم اللبنانيون ، وفي مقدمهم المسيحيون ، من سماع إسمه.