الحرب الشاملة ضد ايران سواء كانت اميركية او اسرائيلية غير واردة، ليس لان ايران دولة قادرة على المواجهة، ولكن لأسباب جيوسياسية واستراتيجية. اولا وبالنسبة لإسرائيل فإنها في مرمى النار من بعيد ومن قريب أي سوريا ولبنان وحتى العراق، ولذلك فان ربح الحرب غير مضمون وخسائرها ضخمة، وقد تكون أضخم بكثير من عائداتها ومكاسبها . كل هذا قائم على ارضية ثابتة وهي غير مسموح لايران تصنيع القنبلة النووية. أمام هذه المعادلة تأخذ ايران وقتها حتى تصل إلى القرار النهائي في مفاوضات فيينا، ودائما على قاعدة ان النظام الايراني القديم الجديد يستطيع تقطيع الوقت لمصلحته، طالما ان الشعب الايراني اعتاد على معاناة المقاطعة الغربية، ومن الممكن إقناعه بأن الصبر هذه المرة منتج جدا على المدى القصير ، لان ايران ستسترد أموالها المجمدة وتبدأ بتصدير النفط بكل عائداته المضمونة والواعدة .
الجديد ان حروب عالم القرن الواحد والعشرين، لم تعد فقط حروبا بالجنود وبالقنبلة والمدفع، ولذلك تواجه إيران حروبا أخرى تشكل كل واحدة منها "حزاما من نار"، يحاصر حركتها ويربكها اكثر فاكثر. خروج الاميركي من افغانستان كان يجب ان يرح ايران ويسعدها، لانه يمكنها من جعله مثالا يمكن للقوى الممانعة ان تحذو حذوه ، لكن الذي حصل ان افغانستان التي اسقطت ثلاث إمبراطوريات ، تكاد تتحول في زمن "الطالبان" الجدد الى بؤرة لنزاعات عديدة تربك ايران حتى داخليا .
البداية من ماذا عن مستقبل "الهزارة "الشيعة في افغانستان الطالبان؟ البدايات تؤكد رغم النوايا الطيبة المعلنة لا تبشر بالخير، رغم براءة الطالبان حتى الان . التفجيران في المسجدين الشيعيين والضحايا الذين سقطوا، يؤكدان انه لا تكفي النوايا الحسنة بوجود "داعش "والتشكلات العرقية والقبلية والمذهبية. يضاف الى ذلك خلافات قديمة حول المياه المرتبطة بالتنازع التاريخي حول مياه نهر هلمند. طبعا "الهزارة" لم يعودوا الأقلية الضعيفة والفقيرة ، فايران عملت على تحويلهم الى أقلية نشطة ومتطورة ومقاتلة وقد استثمرت ذلك بنجاح سواء مع تشكيل "فاطميون " العسكري الذي قاتل وما زال في سوريا وتشكيل "فدائي بابا مزاري " العسكري ايضا. لكن كل هذا لا يكفي لان انتصار طالبان حقق لباكستان، انتصارا يحسب له حساب في المعادلة الإقليمية ولا شك ان ايران في قلب هذا التحول، الذي يتطلب ان تأخذ بعين الاعتبار اكثر فاكثر الموقف الباكستاني وتحولاته . تستطيع ايران ان تكون لاعبا مهما في افغانستان، ولكن اي غلطة في الحسابات ستتحول الى سقوط في مستنقع تعرف هي قبل غيرها أخطاره … بهذا كله لم تعد افغانستان "سلاحا" بيدها تفاوض به واشنطن من موقع قوي وانما "كرة نارية"، واشنطن بعيدة عنها وهي اي ايران في دائرتها الخطرة .
ايران التي كانت ترى في الجمهوريات الاسلامية الخارجة من الاتحاد السوفياتي مساحة سياسية واقتصادية تغني حضورها في المنطقة، تجد نفسها الان في موقف حرج جدا مع أذربيجان . وقوف ايران مع ارمينيا في حربها مع أذربيجان لم يحرجها كثيرا في السابق، اما الان فان لكل موقف مردوداته السلبية .ذلك ان أذربيجان كما تقول ايران قد فتحت حدودها المحاذية لها لاسرائيل . لذلك سارعت ايران لإجراء مناورات عسكرية واسعة على تلك الحدود وكانت الحرب مع ارمينيا أظهرت استخدام الآذريين المسيَرة الاسرائيلية "هاروب" . اكثر ما يزعج ايران في هذه القضية ان لها امتدادات داخلية، خصوصا وان ٢٥ ٪من الشعب الايراني آذري ، وان تركيا تستثمر كل هذه القضية لتوسيع حضورها الجيوستراتيجي الى ابعد الحدود الذي يحشر ايران حكما .
اسرائيل التي تتمدد ببطء لتحاذي ايران، تشن يوميا حروبا متعددة معتمدة في ذلك " حرب الظلال" التي تدمي دون ان تصل الى المواجهة الشاملة . ومن الواضح ان السلاح الاقوى في ذلك هو الهجمات "السيبرية" في كل المواقع من محطات الوقود التي تم تعطيلها، فوقف الايرانيون في صفوف طويلة للحصول على حاجاتهم، مما نشر الاحتجاجات الى درجة ان الرئيس رئيسي اضطر للقيام بجولة ميدانية لتهدئة الناس . قبل ذلك تم التشويش على الميناء المركزي في بندر عباس . الى جانب ذلك جرى إشعال حرائق ضخمة يتم محاصرتها، كما حصل في بندر عباس وفي ضاحية طهران حيث من الثابت احتراق مصنع بكامله الى جانب تضرر مصانع اخرى . ولا شك ان سوريا تبقى "كرة النار "المشتعلة التي تخوض فيها اسرائيل علنا حربا بالصواريخ والطائرات ضد التواجد الايراني، فيها بهدف تشويش هذا التموضع واحباط نقل السلاح المتطور وايضا ضرب اي حركة تمدد باتجاه الجولان . وتبدو هذه الحرب المكشوفة والمحدودة قابلة للتطور وكان من ابرز احدثها القصف الصاروخي من الجولان باتجاه مواقع ايرانية …
ولا شك ان العراق الذي كان يديره السفير الايراني مع مجموعة من الفاسدين، أخذ يتحول مع الكاظمي باتجاه قاعدة مهمة بان العراق لا يمكن ان يحكم من طهران، وان كان لا يمكن ان يكون على عداء مع طهران، ولذلك يجب متابعة تطورات العلاقات العراقية _الايرانية عن قرب فالعراق مركز أساسي في الشرق الاوسط تتمدد منه مفاعيل المتغيرات …
يبقى وهو البارز في كل المواجهات الملف النووي ومفاوضاته وهو متشعب وواسع، لذلك فان ابرز عناوينه تأجيل ايران المفاوضات بحيث اصبح انعقادها مطلبا اميركيا _اوروبيا ، لكن كما يبدو فان ايران فتحت على نفسها سلة مطالب لم تكن تريدها واهمها مستقبل سلاح الصواريخ والاهم حاليا المسيرات مما قد يصل الى بحث السياسة الايرانية ومستقبلها في جوارها الجغرافي الواسع … ولا شك ان انضمام طائرة استراتيجية اميركية الى مجموعة طائرات إسرائيلية علنا ، تشكل رسالة ميدانية عن مدى تطوير التعاون الاميركي _الاسرائيلي ضد ايران …
سياسة إحاطة ايران وإشغالها بـ "أحزمة من النار" قابلة للتصعيد والاستثمار. والسؤال الى اي مدى يمكن لإيران متابعة سياستها ونهجها الحالي، دون تعريض أمنها الداخلي قبل الخارجي لانزلاقات غير محسوبة في نتائجها وآثارها؟ …