لو يعي بعض اللبنانيين أفضل ما تحقق في 14 آذار 2005، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، من اسقاط لـ"نظام الوصاية"، واستعادة للحرية والسيادة والاستقلال، ما كان اليوم، وتحت عنوان "عودة النازحين"، يجتهد في التنظير لـ"التطبيع" مع نظام بشار الأسد، الفاقد فعلياً لأي سيادة أو قرار على أرض سوريا.
كما لو أن هذا البعض يعيش في عالمٍ آخر غير العالم الذي نشهد فيه علىأن نظام الأسد، منذ بدء الثورة، يعيش تحت رحمة النظام الإيراني، وميليشيات حرسه الثوري، إلى حد "تمنين الأسد" مراتٍ عدة، على لسان مسؤولين إيرانيين، بأنه لولا "التدخل الإيراني" لكان في خبر كان، قبل أن "يمّن" الرئيس الإيراني حسنروحاني عليه شخصياً، بهذا الفضل، بقوله في نيسان من العام 2016 :"لولانا لسقطت دمشق"، وصولاً إلى مطالبته بتسديد ديون مساندة إيران له.
أضف إلى ذلك، أن سوريا، باتت في زمن "الانتداب الروسي"، منذ سنوات، بفعل الاتفاقية التي وقعها الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته لروسيا في أكتوبر 2015، كـ"ثمن" لـ"التدخل الروسي" الذي جاء لحماية نظام الأسد من السقوط الحتمي آنذاك. ويكفي قراءة بنود الاتفاقية لتبيان خلاصتها التي تتيح "البقاء الخالد" لروسيا في سوريا إلى الأبد، أياً يكن النظام في المستقبل!.
كما لو أن هذا البعض يعيش في عالمٍ آخرغير العالم الذي تداول في الأسابيع الماضية، صوراً لبشار الأسد في حضرة بوتين وروحاني، لا تحتاج إلى أي تعليق، فما انطوت عليه من دلالات، وخلفته من تعليقات مازالت تملأ فضاء التواصل الاجتماعي، تكفي وتزيد للتأكيد على أن "أولياء" بقاء الأسد، لا يتعاطون معه كـرئيس لسوريا، بل كـ"تابع" ليس إلا.
والصور "تنضح" من أرض سوريا إلى موسكو فطهران، من دلالات ظهور الأسد بين ضباط روس في خلفية المشهد الذي كان بوتين يخاطب فيه جنوده على أرض قاعدة حميميم الجوية السورية، وليس إلا جانبه، إلى معاني الفيديو الذي ظهر فيه ضابط روسي يمسك الأسد من ذراعه، ويمنعه من اللحاق ببوتين، مروراً بأبعاد ما بدا على انه استدعاء للأسد إلى روسيا، حين ظهر وحيداً في لقائه مع بوتين المحاط بضباطه ومستشاريه، وصولاً إلى زيارته الأخيرة إلى طهران، حيث ظهر أيضاً وحيداً في اللقاء مع روحاني، مع وجود العلم الايراني فقط في خلفية المشهد من دون العلم السوري.
والسؤال هنا، إذا كان الأسد قد "ضحى" بسوريا وقرارها وسيادتها، ولم يعد رئيساً لها، حتى في الصور، فما المانع لديه من "التضحية" بلبنان، وضرب استقراره، وهذا الشيء ليس بجديد عليه، ما دام بعض اللبنانيين، وبخلاف السوريين، يقدمون له واجب "العودة الطوعية" إلى حضنه، بما تيسر من عدة ابتزاز، لـ"التطبيع" معه، من باب عودة النازحين.
وللمفارقة، فإن كل المعلومات تفيد بأن الأسد لا يريد عودة النازحين، في ظل سياسة "التغيير الديموغرافي" التي يعتمدها، لإطالة عمر نظامه، وخصوصاً بعد مظاهرات درعا وحوران مؤخراً، وما يؤكد ذلك ويعززه، ما قاله السفيرالروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكين لـ"مستقبل ويب" عن أنّ النظام السوري "لا يستعجل عملية إعادة النازحين ربما لأنّ لديه خوفاً من خطر قدوم أعداد كبيرة منهم في الوقت نفسه إلى سوريا".
ما سبق ذكره، ليس إلا دعوة بعض اللبنانيين للعودة إلى عالم الواقع، لعل "العودةالآمنة" تنفع من أجل مصلحة لبنان، بعيداً عن "العودة الطوعية" إلى ما يشبه المعادلة الساقطة "الأسد أو نحرق البلد"، في ظل العراضات السياسية والاعلامية التي أضاعت بوصلة الحل، واستجابت لما يريده الأسد، في تحويل أزمة النازحين إلى مشكلة لبنانية - لبنانية، ومشكلة للبنان مع المجتمع الدولي، فيما هي مشكلة أسدية، حلها بيد الأسد الذي "لا يستعجل" عودتهم، كما قال السفير الروسي، بعد أن أسقط المبادرات اللبنانية، التي لم تنجح إلى اليوم في إعادة 1% من النازحين، وأداء سفيره في لبنان، الذي لم يكلف نفسه عناء زيارة مخيم واحد لمواطنيه النازحين، خير شاهد على ذلك.
وأخيراً، الجميع في لبنان يريد عودة النازحين، اليوم قبل الغد، بعد أن تحمل ما لم يتحمله أحد من أعباء النزوح الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والمالية، لكن وفقاً للبوصلة الصحيحة التي تقول بتنظيم "العودة الآمنة والكريمة" للشعب السوري إلى تراب أرضه، وتجنيبه على قدر المستطاع أن يتحول إلى ورقة جديدة للمتاجرة به، بيد نظامٍ ارتكب أكبر مجزرة بحقه في التاريخ الحديث، وشرده كباراً وصغاراً، شيوخاً وأطفالاً، وتركهم يتذوقون أقسى أنواع العذابات والقهر.