هل هجّر بشار الأسد شعبه إلى جهات الدنيا الأربع، بمشاركة إيران (وأدواتها حزب الله، فيلق القدس، والحرس الثوري) لكي يعيده؟
هذا التهجير المنهجي المدبّر المحسوب سياسياً ومذهبياً كان بامتياز انتقائياً: السنّة العرب (90% من النازحين) ومن لا يعرف ذلك؟ ومن الطبيعي أن يكون قبول العائدين استنسابياً بالقطّارة ومن ضمن شروط لا يفرضها العدو على عدوّه ولا القاتل على ضحاياه. فالتغيير الديموغرافي واضح وأسبابه واضحة: جعل الأكثرية أقلية والأقلية أكثرية، لحساباتٍ سياسية وانتخابية. وما حركة تجنيس الإيرانيين في سورية سوى جزء من هذه الخطة. وهذا يعني أن الأسد يريد إعادة من يريد إعادتهم، خاضعين أذلاء معدومين، بعدما باشر بمصادرة منازلهم وأراضيهم وأملاكهم. وتحويلها مشاريع إعمارية. يُعمّر سورية المُفيدة على أراضي النازحين وشروط العودة لا لُبس فيها: التنازل له ولرجال أعماله عن ملكية تلك الأراضي.
وكأنه يريد إعمار سورية بحجارة منازل هؤلاء. إعمار ديموغرافي طائفي أكثر.. يريد الأسد أن يكون انتخابه شرعياً (وقد فقد شرعيته منذ أول رصاصة أطلقها على الثوار في درعا عام 2011). ديموغرافية منقوصة تصنع شرعية معدومة، فكيف يريد أن ينتخبه الشعب ونصفه نازح؟ وكيف يريد أن يفرض حكمه على شعب غير موجود؟
فالمسألة عند الأسد: هو المسؤول عن التهجير وهو المسؤول أيضاً عن إعادة المهجرين وهنا بالذات تنشط الجهات الشعبوية الموالية له ولإيران لتحميل بعض اللبنانيين المسؤولية والذين يتهمهم هؤلاء بوضع خطة لتوطين مليون ونصف المليون سوري.
برأوا الأسد من الجرائم والمجازر واستخدام الأسلحة المحرمة، وها هم يبرّؤونه من جريمة عرقلة عودتهم. فالمسؤولون صاروا وليد جنبلاط وسمير جعجع وسعد الحريري ومؤتمر بروكسل، وقرأنا ما قرأنا من الأخبار والآراء المُلفّقة المنافية للواقع والحقيقة. لجعل مسألة عودة النازحين مستحيلة. هذا ما يريده الأسد، يرفض عودة آمنة لشروط إنسانية لهؤلاء إلى منازلهم المنهوبة والمدمرة وحقولهم المُصادرة. فهؤلاء هم "لعنة" على سورية (الأسد) ويعني ذلك أنه لم يهجّرهم بل هُم هجّروا أنفسهم وهذا يضعهم في صفوف الخونة، لأنهم لم ينخرطوا في جيشه ليحاربوا أنفسهم. هجّرهم بالقصف والإعدامات والزج في السجون والتعذيب والطائرات والبراميل المتفجرة.
وحزب الله "مجمع القدّيسين والأولياء" مقاوماً عنيداً في تهجير هؤلاء لربط خطوط الهلال المذهبي، وإفراغ المناطق من كل مواطن سوري. وها هي وسائل إعلامه الشعبوية تُمارس لعبة التوطين، وتتهم الآخرين به. والغريب أن منطق هؤلاء أنهم يريدون عودة السوريين إلى بلادهم لكن بطريقة تحفظ حضورهم غير الشرعي في بلادهم. فالإيرانيون قابعون في بلاد النازحين، وهؤلاء مشردون في جهات الأرض الأربع. فالبلد لمن دمره ونهبه وقتل أهله، ولهؤلاء الأخيرين التشرد والفقر والمخيمات ومساعدات المؤسسات العربية والأجنبية.
والأدهى أنّ أهل النظام وعملاء إيران يهاجمون الجهات الداعمة للسوريين ويتهمونها بإرساء التوطين. شيء فنطازي. عقول متواطئة. نفوس بلا رحمة.
لكن ما هو الحل؟ فالأسد بات أن يعبّر عن عجزه عن استقبال النازحين السوريين (وهذا جعل الروس يفرملون مشروع عودتهم) فلا الأسد يريدهم ولا إيران ولهذا يتّهمون الآخرين بما يرتكبونه.
أكثر: هاجم الأسد اللبنانيين الذين استقبلوا النازحين بصدور مفتوحة بذريعة أنهم يستغلون شعبه! كأن اللبنانيين وبعض الزعماء هم اللذين خططوا لتهجير هؤلاء بهدف استغلالهم.
المسألة الأولى والأخيرة عند بشار، هو شرّد شعبه، وهو المسؤول عن عودته، هو دمّر سورية، وهو المسؤول عن صعوبة استيعابهم. هو جنّس الإيرانيين ومنحهم أملاك النازحين وعليه تحمّل ذلك.
نعود إلى العبارة: من هجّر شعبه مدفوعاً بالكراهية وشغف السلطة، لن يعيد سوى حطام شعبه، وحطام أرضه وحطام وطنه.
وهو بالذات حُطام بحطام.