كتب جورج بكاسيني
بصرف النظر عن الأسباب أو الملفات التي دفعت القضاءين الفرنسي والألماني الى إصدار مذكرتي توقيف بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي لا يمكن معرفة صحتها أو عدم صحتها قبل إجراء محاكمات وصدور أحكام بشأنها ، سرعان ما يتبادر الى الذهن سؤال بديهي : لماذا رياض سلامة بالذات؟
بمعنى أوضح إذا كانت التُهم الموجهة الى سلامة تتصل بالسياسات المالية التي أوصلت لبنان الى حال الإنهيار أو بارتكاب مخالفات شخصية ، فهل هو من كان يحدّد السياسات المالية أو يهندسها ، أو هو الوحيد الذي ارتكب مخالفات ، أم أن ثمة حكومات ومجالس نيابية هي التي ترسم هذه السياسات ، وأن ثمة مئات من السياسيين المرتكبين ؟ ولماذا أُعفي الآخرون من المساءلة أو الإدعاء أو مذكرات التوقيف ووُجّهت هذه التهمة الى رياض سلامة وحده ؟
لو أن المذكرتين المشار إليهما صدرتا عن بعض القضاء اللبناني لكان ربما وجد بعضهم "تبريراً" مفاده أن رياض سلامة لا ينتمي الى "كبار القوم" في الجمهورية أو أمراء الحرب ، وبالتالي وبما أنه "الحلقة الأضعف" فقد نال "نصيبه" الذي يخالف مبدأ العدالة أو المساواة . أما أن تصدر عن قضاءين محترمين في دولتين أوروبيتين تتمتّعان بقدر عالٍ من الديمقراطية ومن الإلتزام بتطبيق القانون والعدل ، من دون أن تشمل على الأقل سبعين بالمئة من السياسيين اللبنانيين الذين تناوبوا على انتهاك القوانين وقيادة الجمهورية نحو الهلاك ، فهذا يطرح ألف سؤال وسؤال .
بدايةً إن علاقة أوروبا بلبنان هي الأقدم بين الأمم ، وخصوصاً بين لبنان وفرنسا ( الأم الحنون ) ، فلماذا استفاقت اليوم على مثل هذه الخطوة بعد أن تجاوزت الكثير من المحطات المأسوية التي ضربت لبنان من دون أن تصدر مذكرة توقيف واحدة بحق متّهم واحد سواء باغتيال رفيق الحريري ، أو بارتكاب أحداث ٧ أيار أو انفجار مرفأ بيروت ، وصولاً الى تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية أكثر من مرة ، وعلى مدى مئات الجلسات ؟
ولماذا خصّت رياض سلامة وحده بهذه المذكرة ، وقد تناوب على الإدارة وعلى ارتكاب الموبقات مئات الأسماء والمسؤولين الذين عاثوا في الأرض فساداً وإفساداً وبالجرم المشهود ؟
لو أن "العدالة" الأوروبية طالت في العام ١٩٧٥ واحداً من أمراء الحرب الأهلية في بلادنا الفرنكوفونية منذ نعومة أظفارها ، أما كانت منعت إطالة أمد الحرب الأهلية ، وبالتالي حرمت قطّاع الطرق وتجار الدم من أن يتحكّموا برقابنا في زمنَي الحرب والسلم ؟
أما روّاد "الإصلاح" في جمهوريتنا الموقّرة - وما أكثرهم في هذه الأيام - الذين تسابقوا على زفّ بشرى "الإنتصار" على رياض سلامة كما لو أنه تمّ أخيراً إلقاء القبض على "المجرم" ، فتجاهلوا أنهم بذلك ألقوا القبض على أنفسهم ، لأن "الجرم" باقٍ باقٍ باقٍ طالما أنهم على قيد الحياة السياسية .