مرة جديدة يسعى "حزب الله" الى زجّ لبنان في صراع المحاور الذي احتدّ في الآونة الأخيرة على نحو غير مسبوق، ولامس حدود احتمال اشتعال حرب في الإقليم. بفم ملآن أعلن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله "رفضه" مقرّرات القمم العربية واعتبر ان موقف رئيس الحكومة سعد الحريري "لا يمثّل لبنان"، متسائلاً "أين النأي بالنفس".
أربعة عناوين اجتمعت في خطاب "يوم القدس" على اثنين: الدفاع عن إيران، وانتهاك الدستور اللبناني.
في النقطة الأولى بدا واضحاً أن المسألة المركزية في خطاب نصرالله هي الدفاع عن إيران في وجه مقرّرات القمم المشار إليها، رغم أن بياني القمتين العربية والإسلامية اللتين شارك فيهما لبنان غابت عنهما أية إشارة الى "حزب الله" وبذلك بدا جليّاً أن من لا "يمثل لبنان" في هذا الصدد هو "حزب الله" وليس رئيس الحكومة، بدليل أن موقف نصرالله لم يكتف بإعلان موقف دفاعي عن ايران وحسب، وإنما ذهب أبعد من ذلك الى حدّ تهديد المصالح الأميركية والسعودية ب "الإبادة" و "اشتعال المنطقة كلّها"، في حال حصول حرب ضد إيران.
أما في النقطة الثانية فقد خالف نصرالله مقدمة وأحكام الدستور اللبناني في بنود أساسية منه، أولّها هوية لبنان وانتماءه العربيين (لبنان عربي الهوية والانتماء)، من خلال محاولة زجّه في محور غير عربي يتناقض ومصالح العرب العليا.
مع العلم أن القمم المشار إليها لم تكتفِ بالتمسك بالقضايا العربية المحقّة وفي مقدّمها فلسطين "القضية المركزية" وبرفض "أي مقترح للتسوية السلمية لا ينسجم مع المرجعيات المعترف بها دولياً لعملية السلام" (صفقة القرن) وحسب، وإنما أيّدت أيضاً "حق لبنان في استكمال تحرير كامل أراضيه من الاحتلال الاسرائيلي بكل الوسائل المشروعة"، مع التأكيد على "أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي".
كما اقتصرت كلمة رئيس الحكومة أمام القمة على بديهيات في الموقف اللبناني المتمسّك بالإجماع العربي، الذي سبق وجرى التأكيد عليه "بالإجماع" في بيان حكومة الرئيس تمام سلام في شباط ٢٠١٦ عندما تم التشديد على "تمسك لبنان بالاجماع العربي"، إثر اعتراض المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي على موقف وزارة الخارجية "النأي بالنفس" عن إدانة الإعتداء على سفارة المملكة وقنصليتها في إيران".
كما أطاح خطاب نصرالله بالدستور اللبناني مع محاولته نزع صفة "تمثيل لبنان" عن رئيس الحكومة، وقد نصّت أحكام هذا الدستور على أن "رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثّلها ويتكلّم باسمها". ومن دون أن يرفّ له جفن لوّح بإقامة "مصانع للصواريخ الدقيقة" في لبنان، الأمر الذي يندرج تحت عنوان "قرار الحرب والسلم" الذي يحتاج، وفقاً للدستور، الى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء.
وفوق كل ذلك لم يَجِدْ السيد نصرالله غضاضة قي توجيه سؤال الى رئيس الحكومة كان يفترض أن يوجّهه الى نفسه "أين النأي بالنفس"، خصوصاً أن خطابه نفسه الذي طرح فيه هذا السؤال يمثّل ذروة الخرق لمبدأ "النأي بالنفس"، ويضاف الى لائحة طويلة بالخروقات التي نفّذها هو وحزبه منذ إجماع أهل السلطة على هذا المبدأ.
رئيس الحكومة لم ينذر أحداً في القمة بإقامة مصانع للصواريخ، ولم يهدّد إيران ب "الإبادة"، ولم يتوعّد المنطقة ب "الاشتعال". هو ألقى كلمة مسؤولة تجمع بين مقتضيات الوحدة الوطنية والتضامن العربي في آن. لذلك السؤال يوجّه الى السيد نصرالله وليس الى الرئيس الحريري: "أين النأي بالنفس؟".