كتب أسعد حيدر

العراق … مركز التحولات في المنطقة

تم النشر في 9 تشرين الأول 2019 | 00:00


أسعد حيدر

ازاحة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من قيادة التدخل السريع الى ما يشبه التقاعد في وزارة الدفاع ، كانت "عود الثقاب " الذي أشعل "القلوب المليانة " ودفع الشباب العراقي خصوصا في بغداد الى الشوارع والاشتباك مع القوى الأمنية ، ثم "اختلاط الحابل بالنابل " ليسقط اكثر من مائة قتيل ومئات الجرحى . الخطير في كل ذلك دخول القناصين على خط الصدامات وسقوط العديد من الضحايا من المدنيين ورجال الأمن مما يؤكد وجود قوى عملت على التصعيد عبر تعميق الاحقاد ورفع منسوب الشراسة في عمليات الكر والفر في شوارع بغداد وغيرها.

ليست عملية الإقالة المقنعة للفريق الساعدي حركة معزولة في تطورات الوضع السياسي في العراق ،اذ لا يكفي تفسير القرار بتحول الفريق الساعدي الى شخصية لها حضورها وموقعها الشعبي عند الشيعة والسنة على السواء ، ليكون بذلك اول "عسكري" يتقدم على المسرح العام ويضع سؤالا موضعيا هو:ماذا لو كان هو البديل ? ما دعم هذا القلق ان الساعدي اصبح اول شيعي غير معمم له مكانة عالية وقوية في الأوساط الشيعية ، وحضورا مهما عند السنة بسبب مواقفه عند تحرير الموصل وباقي معارك المواجهة خصوصا ضد "داعش"…بهذا اصبح منافسا للطبقة السياسية التي تشكلت بعد سقوط صدام حسين والغزو الأميركي واستقرارهم في العاق مع جعل تام لإدارة المواقف مما فتح أبواب العراق امام ايران.

جاء القرار في سياق مواقف معدة مسبقا من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ، تضع من ناحية فاصلة على هذا التطور في الحياة السياسية ، ونقطة بداية جديدة في مسار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. حتى هذه الخطوة الاخيرة كان عادل عبد المهدي يلعب بمهارة لعبة التوازن بين الخصمين المتنافسين الايراني والاميركي ، مع انحياز خفيف اميركيا بعيدا عن الايراني. مؤخرا أخذ عبد المهدي ينحاز الى الجانب الايراني فكان قرار ابعاد الساعدي الجزء الفاقع من هذا الموقف اذ يقال علنا في بغداد ان طهران طلبت القرار وحصلت عليه لانه عمليا يصعد على حساب الشخصيات التي لها او تعمل معها. ثم جاء قرارفتح معبر البو كمال بين سوريا والعراق ليشكل الرافعة الثانية لهذا التحول عند عبد المهدي الذي ثبت هذا كله باتهام اسرائيل علنا بقصف مواقع "الحشد".

انفجار الشارع العراقي له الف سبب وسبب عراقي. لقد مضى على ترؤس عبد المهدي الحكومة العام ، ويبدو واضحا عجزه عن القيام بالاصلاحات الضرورية ، اذ ان كل ما يفعله هو تقديم أقراص الاسبرين لحالات من الغرغرينا ألقوية والمتجذرة لانها قديمة ودون علاج … ابرز الأسباب والعوامل المنظورة:

ـ تردي الوضع الاقتصادي مع انحدار في مستوى الخدمات ، وتفاقم البطالة خصوصا بين الشباب ، وتعثر جهود اعادة الإعمار … كل هذا التدهور يجري على وقع ارتفاع منسوب التدخلات الخارجية سواء كانت ايرانية او اميركية . وإذا كان التدخل الأميركي يجري على وقع الحذر الشديد ويتركز على تشكلات السلطة، فان التدخل الايراني يجري في قلب المكونات الشعبية والمذهبية . ويبدو واضحا ان الحضور الايراني في صياغة الحياة الاجتماعية والشعبية والسياسية على قاعدة من الفرز المذهبي العميق قد انتج بقوة إحساسا لدى العراقيين ومنهم الشيعة تآكل للسيادة العراقية التي لها جذورا نفسية ووطنية كان للحرب الايرانية _العراقية مفاعيل عميقة لم تنجح السنوات الماضية في التخفيف من حدتها.

ـ هجوم المتظاهرين على كل ما هو ايراني او ما يؤشر الى النظام الايراني بما فيها من احراق لمقرات الأحزاب المحسوبة على طهران وصولا الى احراق العلم الايراني بعد تمزيقه أكد بشكل واضح وجود رفض علني للسطوة الايرانية داخل المكون الشيعي الكبير. ما يؤكد ذلك ان الاستطلاعات الجدية اشارت الى ان ٥١٪ من العراقيين لا تؤيد مواقف ايران وان وهو الاهم بالنسبة لطهران ان نسبة المؤيدين من الشيعة لإيران هبطت الى ٤٧٪ بعد ان كانت عام ٢٠١٥ حوالي ٨٨٪ … المرشد اية الله علي خامنئي: لم يجد ما يقوله في مواجهة التطورات العراقية في وقت يخوض فيه "ام المعارك "مع الأميركيين سوى التركيز على ان: الشعبان ترتبط قلوبهم وأرواحهم بالايمان بالله والمحبة لأهل البيت والحسين بن علي" … عبد الامير اللهيان تولى ترجمة هذا الموقف بالقول "انه ومع الأخذ بعين الاعتبارمطالب الشعب المدنية فان الصهاينة وحماة الاٍرهاب التكفيري هم وراء الأحداث.

ـ الخطة التي أعلن عنها رئيس الوزراء عبد المهدي قد تخفف اضطرام النار المشتعلة في الشارع العراقي لكن لن تطفئها لان اسبابها عميقة ومصيرية. ايضا وهو مهم ان العراق مركز صياغة التوجهات والاحداث في المنطقة منذ بداية الثمانينات وحتى ما قبل ذلك مع نجاح انقلاب عبد الكريم قاسم وتردداته على سوريا وبالتالي تشكل الأحلاف … ايضا الان العراق هو المركز لتشكل مسارات جديدة للانظمة والقوى والأحزاب الى جانب تبلور المواجهة الاميركية_الايرانية في تشكلات سياسية واضحة في تكاوينها وتوجهاتها… لذلك فان تطورات الوضع تتطلب متابعة متواصلة ودقيقة.