ثقافة

البحث عن "الأنا" في "فضاء" فادي الشمعة!

تم النشر في 9 تشرين الأول 2019 | 00:00

"وغداً من أنا"... بهذه العبارة الطفولية يفتتح فادي الشمعة معرضه الفردي الذي تحتضنه غاليري "آرت لاب" في الجميزة - بيروت. معرض يتيح لك الدخول إلى بيروت من بوابتها الكبرى. بوابة الطفل، الحياة والسؤال.

إذا أردنا تحديد صفة رئيسية لهذا المعرض، فيمكن القول إنه يحمل هاجس الهوية، الهوية المقرونة بالضياع، البحث والحيرة. الكثير من الاحتمالات التي يُدخلنا إليها الشمعة من خلال معرضه هذا. فللمرة الأولى في لبنان تشهد الساحة الفنية نشاطاً لفنان تشكيلي يسلّمُ زمام أموره لمتابعيه المتفرجين.

تفتتح إدارة "آرت لاب" أبوابها للزوار في العاشر من الجاري. وهذه المرة ليس للمشاهدة والانتقاء بل لتنظيم المعرض كما يشاهدون وكما يرون. الفكرة التي أوجدها ديمتري حداد (curator) وفادي الشمعة تقوم على افتتاح المعرض في العاشر من هذا الشهر بلوحة جدارية كبيرة فقط (275x440cm) . بعد ذلك يضع أمام مشاهديه وزواره مئتي لوحة فنية مشغولة على مدى 30 سنة، يضعها ليختاروا منها باقة من أعماله بناء على أذواقهم وأمزجتهم وميولهم، وبعد أسبوع من الاختبارات والاختيارات المختلفة، نكون على موعد مع 40 لوحة مختارة من الجمهور.

الفكرة الأولى، إذاً، تحويل المشاهد هنا من متلقٍ إلى منسق للمعرض بمعزل عن الشمعة وسلطته وحرية قراره تجاه لوحاته. وللمفارقة هنا أن الشمعة سيتحول من فنان تشكيلي إلى مصوّر وموثق لتحركات وتفاعلات رواد المعرض. وفي اختتام المعرض سيعرض الوثائقي الذي يؤرخ لكل شاردة وواردة حصلت .

باستطاعتنا القول إن الاختيار الوحيد الذي وقع على عاتق الشمعة هو جداريته المرفقة بنصّ تعريفي يجسّد فيه قلقه وحالته اللامستقرة وغير الراضية.


مفهوم الهوية: إلى أين؟

لا بدّ للشمعة في كلّ معرض من فكرة. تقوم فكرته اليوم وفرضيته على مسألة الهوية، في ظل ما نعانيه اليوم من موت وخراب ودمار مستمرّ. هل هناك هوية؟

هل يمكن القول بوجود هوية واحدة تربط ببعضنا ببعض؟

هل نحن أمام هوية كونية؟

أسئلة عدة وجوهرية عميقة يجسدها الفن هنا من خلال بورتريهات لنساء ورجال وأشخاص تركوا بصمتهم وتحولوا شيئاً فشيئاً إلى لوحة ترمي شباكها لناظرها عند كل مفرق .

الاستفهام الأكبر ستجسده هذه الأعمال هو حول الأنا؟ المصير؟ الهوية؟ علاقة الإنسان بالآخر؟ علاقة الفنان كفنان بالآخر؟

باختصار، يسعى الشمعة بعد تجربة طويلة إلى وضع حدّ فاصل بين مرحلتين. يرمي عبء السؤال والبحث والمشقة والحب والكره على غيره ويمشي. يرميه دفعة واحدة على المشاهد المتفرج بلا أي كلل أو ملل أو خسران. من الممتع القول بأنّ الولوج في هذا المضمار هو عبارة عن عملية تزجية للوقت وقتله بالكثير من الأنانية والازدراء والسخرية، الازدراء الذي يأتي بعد درجات من الوجع والمعاناة والحروب.

وهكذا، بكامل عبثيته ومجونه، يدخلنا فادي الشمعة إلى "غداً من أنا" بهدوئه النسبي وفوضويته الممتعة، لنخرج بعد ذلك مبهورين ويخرج هو من عزلته محمّلاً بخلاصات وأجوبة على كلّ هذا القلق الخلّاق.