كتب بول شاوول

الحرب التي لن تقع وإن وقعت

تم النشر في 6 كانون الثاني 2020 | 00:00

كان قائد فيلق القدس سليماني على مرمى النيران الأميركية وسواها منذ وقتٍ لا بأس به. ولم يمسَّهُ أحد يصول ويجول في الأماكن العامة وفي الساحات والمهرجانات ولا من يراه. ذلك لأن كان رشقه بوردة خطّاً أحمراً بين إيران والولايات المتحدة.

لكن الألوان تتغير مع الفصول والأوقات وتختلط تحت وطأة التحولات. فالخط الأحمر الآخر كما نظن كان وما زال الدم الأميركي. وهو أحمر بلون الدم. هذا ما مارسته إيران طيلة السنوات الماضية. والمعروف أن الرئيس الأميركي لم يرد لا على إسقاط إيران الدرون الأميركية في مضيق هرمز ولا على قصفها الأرامكو في السعودية... انطلاقاً أن الجمهور الأميركي عموماً وخصوصاً حالياً لا يهتم بمثل هذه التفاصيل ولا يحبّذ الحرب، ولا يهز هذا الجمهور سوى رؤية قطرة دمٍ تسيل على أميركي. ثم أن المعركة الرئاسية على قدمٍ وساق وكذلك محاولات عزل ترامب، أي أن كل خطوة تحركٍ أو موقف أو مجرد تحويل في مجرى تعاون مع إيران وسواها خاضعٌ لهذه الاعتبارات. فترامب وراءه تحديات الواقع الأميركي وأمامه إيران. وها هو الغضوب يتحلى بطول الصبر.

هذا ما طمأن إيران طويلاً وظنت أنه موقف أبدي. وسعت نشاطاتها العدائية ضد السعودية وهددت الملاحة البحرية الدولية. وأوحت بأنها وصلت إلى مراتب متقدمة في تطور سلاحها النووي... سليماني نفسه وتحت هذه القبة الوردية تحرّك بكل حرية خصوصاً في الأشهر الماضية محاولاً تغيير صورتها العسكرية القاسية والصارمة أمام الإيرانيين والعالم من أجل طموحه لدورٍ سياسيٍ بمرتبةٍ عالية قد تكون الرئاسة. ولكن وقع ما وقع، وكأن الأمور انقلبت. والغريب أن إيران هي التي اجتازت هذه المرة الخط الأحمر، أي إهراق دم جندي أميركي. والأغرب أنها اعتقدت أن المسألة ما زالت في موضعها السابق يُمكن أن تُطوَّق وأن الخطوط الحُمر يمكن تبديلها بخطوطٍ بيضٍ أو زركل. الخطأ في الحسابات تجسد في قتل أحد الجنود الأميركيين في العراق. وقد نفَّذ ترامب وعده، ردّ بقوة على إحدى القواعد العسكرية الإيرانية وأدى ذلك إلى سقوط نحو 15 قتيلاً بينهم قيادات. ولأن دولة الملالي بقيت على يقينها بأن ترامب محشور بالعزل وبالانتخابات ومن الصعب أن يصعّد ولو أُنمُلةً واحدة... لكن ترامب هو الذي عمد إلى التصعيد هذه المرة: اختار أهم شخصية إيرانية بعد المُرشد وقتله. حّطَمَ الأيقونة، دنّس المقدس... إنها الحرب إذاً. إنها بداية ضرب المصالح الأميركية في العالم وإخراجها من العراق.

ترامب تجاوز السقف المعهود، وهُم بحسب تصريحاتهم  سيحطمونه. وحددوا 35 هدفاً أميركياً. وردَّ ترامب مصعّداً بتحديده 52 هدفاً داخل إيران نفسها. فإذا كانت كل السقوف والأسطح والتحفُّظات قد انهارت فيعني أن الآتي أعظم.

لكن رغم ذلك فإن كل شيء رهناً بالانتظارات. فالسؤال هو ماذا ستفعل إيران؟ لكن أيضاً السؤال المهم، كيف سترد الولايات المتحدة؟ والمعروف أن لإيران مواقع نفوذ وسيطرة وقوة عديدة ستختارُ بينها: لبنان حزب الله، وسوريا والجولان، واليمن مع الحوثيين، من دون أن ننسى خلاياها النائمة في العالم.

لكن إذا كانت بعض الأصوات تطالب بضبط النفس حتى في العراق نفسه وفي السعودية بل وفي الولايات المتحدة. فهل هذا يعني ضبط التصعيد أو الاكتفاء بتنفيث الغضب أو إنقاذ ماء الوجه بضربة شكلية هنا وإعلامية هناك لا تصل إلى حدود الحرب. فإيران لا تريدها وكذلك ترامب.

لكن أي ساحةٍ ستكون ملعباً لانتقام الملالي الاستراتيجي: فلبنان من خلال وضعه الراهن قد لا يكون الاختيار المناسب. وسوريا أيضاً وبتمتع الروس بسلطة كبيرة فلن تكون محطة لفتح جبهة في الجولان. يبقى في رأينا العراق، وكذلك اليمن كنقطتي إنطلاق للتحرش بالسعودية والخليج (صرّح بعض المسؤولين الإيرانيين أن طائرة الدرون انطلقت من إحدى دول الخليج، ونفت الكويت مثل هذا الخبر). السؤال الأخير، إذا نُسفت الضوابط بخطأ من هنا أو هناك في ظل إصرار ترامب على التصعيد فهل ستقع الحرب وتُدرك نيرانها هذه المرة إيران نفسها؟

إنه الترقُّب والانتظار، لكن في ظننا أن دولة الملالي لن تتجاوز فشة الخلق هنا أو هناك، صاروخ هنا أو هناك. بغبار التهديد ذي النبرة العالية تحت شعار "لن تجرنا الولايات المتحدة إلى الحرب فنحن الذين نحدد مكانها وزمانها". إنها أرجوحة النظام السوري، التي يدندنها بعد كل عدوانٍ إسرائيليٍ على سوريا...

إنها الحرب التي لن تقع وإن وقعت