كتب أسعد حيدر

الصمت مستحيل والرد مكلف

تم النشر في 8 كانون الثاني 2020 | 00:00

اغتيال الجنرال قاسم سليماني ، اسقط "عمود الارتكاز في خيمة " النظام الخامنئي الممانع . لم يكن الجنرال جنرالا لامعا ينفذ الخطط بنجاح ودقة بنهج "سمعا وطاعة ". كان سليماني شريكا كامل الحقوق والواجبات مع المرشد اية الله علي خامنئي ، لذلك سقوطه في عملية اغتيال تتقنها المخابرات المركزية الأميركية وتنفذها بكفاءة ونجاح نتيجة لتراكم خبراتها في هذا المجال ،يبدو أمرا طبيعيا خصوصا وان الامر صدر من رئيس الولايات المتحدة الاميركية دونالد ترامب . لذلك فان حزن خامنئي صادق وهو صادر من موجوع جدا ،كذلك فإن "التصريحات النارية بالانتقام المباشر والمناسب والعسكري"تبدو متناسبة جدا مع حجم الخسارة الفادحة التي ستضع حكما فاصلة ان لم تكن نقطة أمام مسار استراتيجة شكلت استراتيجية وضعت في تنفيذها ميزانية خيالية بالنسبة الى دولة مثل ايران ، وقد وصل الامر احيانا عندما لا يعود حتى احتياطي الميزانية تلبية مطالب سليماني أن يتولى المرشد بمد قائد فيلق القدس ما يحتاجه من ميزانيته الضخمة جدا .

الاستراتيجية التي قررها المرشد خامنئي قامت على مدٓ خطوط الدفاع عن ايران بعيدا عن حدودها الطويلة والعديدة الأبواب والمتعددة الأعراق والقوميات . ما ساهم في التنفيذ مبدأ "تصدير الثورة " وقد بدا طبيعيا أن تكون البداية من المحيط الجغرافي المتوج بأعز قضية وهي تحرير فلسطين ودرتها القدس . ما عزز همة المرشد في التنفيذ أن نجاحه يعني وقوفه الى جانب الامام الخميني فإذا كان الأول قد قاد الثورة وأقام الجمهورية الاسلامية في ايران فإنه هو لم يكن مجرد خليفة وانما ايضا والاهم باني دولة إيران المحصنة والمعترف بها دي فاكتو دولة كبرى في منطقة الشرق الأوسط . قاسم سليماني شارك ونفذ هذه الاستراتيجية باسم تحرير القدس فكان أن حرر سوريا من نصف سكانها ليبقى الرئيس بشار الأسد "رئيسا الى الابد وكان قبل ذلك قد حول حزب الله من تنظيم لتحرير جنوب لبنان الى تنظيم قدوة لكل التنظيمات الاسلامية التي تعمل معه … وجاءت الفرصة الذهبية للجنرال سليماني في العراق بفضل الغزو الاميركي له ليضع يد إيران على مفاتيح السلطة فيه بحيث مع الوقت استهلك السيادة العراقية واستفز قبل مقتله الوطنية العراقية .وبلغ من نجاحه ان تمدد الى اليمن تحت "عباءة "الحوثيين حيث اشعل حرب استنزاف حقيقية للسعودية والإمارات باسم دعم الحوثيين المظلومين وليس للإمساك بباب المندب الاستراتيجي الذي يمر فيه سنويا ٢١الف سفينة بكل ما يعنيه ذلك من التحكم بمفاصل أساسي للاقتصاد الدولي .

يمكن طرح أسئلة كثيرة حول "عبقرية" سليماني العسكرية، ولكن لا شك أنه خلال ادارته العسكرية والتنظيمية طوال ربع قرن تحول فيها الى "علبة سوداء " لا يمكن تكرارها ولا فتحها والاطلاع على اسرارها بعد مقتله . وكائنا من كان خليفته وقدراته فإنه لن يحل محله ويقود مثله . ولا شك أنه بعيدا عن اللغة الخشبية القائمة على توصيف أميركا ب"الشيطان الأكبر" فإن اغتيال سليماني وهو خارج من مطار بغداد مع مساعديه وابو مهدي العسكري، يؤكد أمرا مجهولا كان معلوما وهو أن اتفاقا ما كان معقودا بين سليماني ومن معه مع الاميركيين يسمح لهم بالتنقل بأمان بين سوريا ولبنان والعراق وربما اليمن ، وبذلك فان حالة المساكنة بين سليماني والاميركيين قد سقطت ولكي تعود مستقبلا يجب عقد اتفاقات جديدة تتطلب وقتا طويلا وتجارب تعيد الثقة الغالية الثمن .

إيران وتحديدا النظام الخامنئي يحتاجان الانتقام لسليماني . عدم الانتقام انتحار ، والثأر كلما كان مكشوفا ارتفعت كلفته ، خصوصا ان الرئيس ترامب لا يمكنه عدم الرد على الرد ، لأن مقتل سليماني لم يكن قرارا ترامبياً فقط بل هو قرار اتخذ على اعلى المستويات في البنتاغون . واستنادا الى الخبراء فإن الأمريكيين الذين يتابعون بدقة وبتواصل كل تحركات سليماني وان واحدا من أفضل خبراء المخابرات المركزية هو مايكل داندريا الذي يطلق عليه لقب "اية الله" الاستخبارات وكشف عنه مؤخرا يتولى متابعة قاسمي منذ سنوات ، أعدوا خططا لاغتيال سليماني على قاعدة أن ايران تجاوزت كثيرا حدودها في التعامل مع اميركا وأوروبا ومحيطها الجغرافي ، وان ما شجعها على ذلك الصمت على زحفها الذي نفذته بصبر وتراكمات من النجاحات ، وأن ذلك بدأ مع فشل تحرير دبلوماسييها في السفارة الاميركية بطهران مرورا بتفجير السفارة في بيروت وتبادل الرهائن وصولا إلى السياسة الأوبامية التي أعطتها الكثير باسم مواجهة الاٍرهاب الداعشي والقاعدة باسم المقاومة الشيعية المجسدة في تنظيمات مختلفة تتوزع بين الشرق الاوسط وصولا الى غربي آسيا .

من عادة إيران اعتمادها سياسة "الذبح بالقطنة " …المشكلة حاليا انها غير قادرة على الصبر طويلا ولا على الحرب فورا علما ان الجميع بما فيهم الاميركيين يخافون من الحرب ولا يريدونها . حاليا وحتى إشعار آخر يتم شحن الجو الشعبي الايراني بالتصعيد اليومي بالتصريحات التي توحي ان الرد سيكون في تدمير الولايات المتحدة الاميركية واحراق اعز ما تضمه وان "عليها الخروج من الشرق الأوسط كما يقول علي ولايتي او انتظار فيتنام اخرى " . الرد الترامبي السريع على هذا التصريح الناري وغيره الخارجين عن التنفيذ جاء في التحضير للبدء في بناء قاعدة جوية في الأنبار لطائرات ب ٥٢ الاستراتيجية التي تحمل ثلاثين طن من الذخائر المتنوعة والتي من بينها صواريخ بالستية نووية … الأصعب بالنسبة للمرشد أن العراق غارق في المواجهات ولا شك أن اي مسؤول شيعي من الميليشيات مضطر ليعمل الف حساب وحساب قبل انخراطه في عملية ضد الاميركيين وان حزب الله ومهما بلغت علاقته الخاصة مع سليماني فإنه هذه المرة مقيد الحركة لان اي مواجهة مع اسرائيل في ظل الازمة الحالية قد تعني نهاية لبنان … ما ستحاول إيران ان تفعله عاجلا ام اجلا التوصل الى فتح باب المفاوضات حتى تخفف الضغوط المعيشية اليومية على اكثر من نصف الشعب الإيراني .

اصعب ما يواجهه المرشد أنه وفي قمة فقده للفريق المغتال سليماني ،وقبل أن يدفن ، قفز قيصر روسيا الى سوريا بطريقة "خلاصتها الأمر لي " . بوتين نزل في قيادة قواته في قلب دمشق واستدعى الرئيس الأسد لملاقاته في مقر قيادة القوات الروسية تجول تحت حماية قواته التي انتشرت في دمشق … الخلاصة أن على المرشد التفاهم مع "القيصر " بكل ما يتعلق بمستقبل سوريا وان زمن الحرب والعسكر شارف على نهايته …

في ٢١ شباط ستجري الانتخابات التشريعية في ايران . كل المؤشرات والإجراءات تؤشر الى هيمنة المتشددين على جميع المؤسسات . في تشييع سليماني المليوني تجسدت الوحدة الوطنية الايرانية ، السؤال الآن إلى متى هذه الوحدة وهذا الهدوء في ظل هذا التصعيد غير المسبوق على جميع المستويات.