كتب جورج بكاسيني
قبل 13 حزيران 1978 عرف الموارنة صراعات سياسية شتّى استمرّت بعد هذا التاريخ ولا تزال مستمرّة حتى اليوم؛ لكن في التاريخ المذكور كُسِرت القاعدة ليبلغ الصراع حدود الاغتيال، أي ما عُرف لاحقاً باسم "حروب الالغاء" التي دُشّنت باستشهاد النائب طوني فرنجية وزوجته وابنتهما وثلاثين من الأنصار.
كانت تلك المحطّة إيذاناً بمسار أو مسلسل ما زالت حلقاته متواصلة حتى اليوم، انطلق مع شعار "توحيد البندقية" الذي أطاح عسكرياً حزب "الوطنيين الأحرار" لصالح بشير الجميل وما سُمّيَ منذ ذلك الحين "القوات اللبنانية"، قبل أن ينتقل الصراع الى داخل قيادة "القوات" (بعد اغتيال بشير) بين سمير جعجع وفادي افرام وفؤاد أبو ناضر، ومن ثم الى صراع دموي بين جعجع وإيلي حبيقة، الذي فتح الطريق لصراع على قيادة "الكتائب" بين جعجع وجورج سعادة واستطراداً أمين الجميّل، قبل أن ترسو بورصة الصراعات في العام 1990 على ما سُمّيَ "حرب الإلغاء"، نفسها، التي بدأت دمويّة ثم سياسيّة واستمرّت لما يزيد عن ثلاثين عاماً حتى اليوم.
إذاً المحطّة الأولى، أي مجزرة إهدن، كانت تأسيسية، تلتها محطّات بقيت أصداؤها حيّة حتى اليوم، ونجمت عنها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.. وفي السياسة، يحلو لبعضهم أن ينسبها الى "الآخرين"، متجاهلاً أنّ من أضعف دور الموارنة هم في الأساس موارنة.
لم تغِب عن ذاكرتي عبارة قالها والدي لوالدتي، وكنت في الثالثة عشرة من عمري، مساء 13 حزيران 1987: "راحت على الموارنة". كما لم تغِب عنها أيضاً لازمةُ ما زال كتائبيو ضيعتي تنورين يُردّدونها حتى اليوم، كيف رفضوا الانضمام الى القوّة المسلّحة التي توجّهت الى إهدن مروراً بالبلدة "تفادياً لترِكة ثقيلة بين تنورين وزغرتا" .
والعبارتان شديدتا الدلالة على أن المواطنين العاديين أكثر إلتصاقاً بعصبيّة الطائفة من قادتهم، الذين انخرطوا ، وما زالوا، في صراعات ذات أصول عشائرية (الثأر وإلغاء الآخر) من أجل تزعّم هذه الطائفة.
والدليل على ذلك إستمرار "صراع الأحجام" السياسية داخل الطائفة المارونية، الذي يتقدّم على أي صراع مع أيّ كان، لأن فوز هذه العشيرة، أو القبيلة، على تلك، شرط أساسي للإستحواذ بالطائفة، وإن تلطّت هذه أو تلك وراء لافتة حزب أو تيار.
والأخطر أن هذا الصراع (الأحجام) ولعبة عدّ المقاعد والأصوات مستمرّة رغم عدم تبدّل النتائج نسبياً (تعديلات طفيفة هنا أو هناك) منذ العام 2005 حتى اليوم. والحال أن ثقافة "الإلغاء" ما زالت حاضرة بقوّة، وأنّ بعضهم لم يكتسب العِبَر ممّا آلت إليه هذه الثقافة على الموارنة خصوصاً، واللبنانيين عموماً.. كما لم يتعلّم من تجربة سليمان فرنجية ، نجل الشهيد ، الذي غفر لمن شارك في اغتيال والده من دون "تفاهم" ، وأطلق سراح من قتل أبيه بيده من دون مقابل .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.