23 حزيران 2022 | 20:38

أخبار لبنان

عندما يستبيح "الموارنة الجُدد".. رئاسة الحكومة!

عندما يستبيح

كتب جورج بكاسيني




تباهى الموارنة القدامى، عن حق، بأنهم صنعوا الكيان بطبعتَيه (جبل ‏لبنان ولبنان الكبير) . كما تباهوا مرارًا وتكرارًا ، وعن حق أيضًا، بأنهم ‏صنعوا معه معناه ودوره وقيمه التأسيسية بدءًا من ليبرالية النظام ‏واقتصاده الحر مرورًا بوظيفته كـ"جسر بين الشرق والغرب"، وصولاً ‏الى رسالته كواحة لـ"العيش المشترك". لكن بعض الموارنة الجدد ‏يتباهون، وعن سابق تصور وتصميم، بالتنكيل بهذا الكيان وبمعناه معًا. ‏لا يتورّع بين فينة وأخرى عن قلب القيم التأسيسية رأسًا على عقب، ‏ومعها نص "الميثاق الوطني" وروحه، حتى إذا سنحت له الفرصة لنحر ‏هذا الموقع أو ذاك تناسى أن موقع رئاسة الجمهورية هو الأول في النظام ‏، وأن ما انسحب على غيره يمكن أن ينسحب عليه.‏

أن يمتنع النواب المسيحيون، وخصوصًا الموارنة، عن تسمية رئيس ‏للحكومة "حقّ" دستوري لا يجادل به إثنان، لكن يراد به "باطل"، لأنه ‏خروج عن أعراف وثقافة طالما تمسك بها اللبنانيون حتى في ذروة ‏الحرب الأهلية. ذلك أن امتناع ثلاثة أرباع النواب المسيحيين ‏عن تسمية رئيس للحكومة وقبله رئيس لمجلس النواب يعدّ واحدًا من ‏ضروب الجهل السياسي بمعنى البلد وبقوانين التعامل بين أطيافه .‏

قد يفهم البعض امتناع هؤلاء النواب عن تسمية رئيس للمجلس في ظل ‏رفضهم اختيار نائب من 27 ينتمون كلهم الى ما يسمى "الثنائي ‏الشيعي"، بحكم عدم وجود أية خيارات أخرى. أما أن يلجأ هؤلاء الى ‏الخطوة نفسها إزاء رئاسة الحكومة التي يمكن اختيار أي شخصية سنية ‏لها من داخل البرلمان أو خارجه، فهي تحمل دلالات خطيرة، أقلها إشعار ‏هذه الطائفة بكل تكاوينها وتلاوينها أنها غير أهل لتولي هذا الموقع.‏

معنى ذلك أن الموارنة الجدد الجَهَلة بمعنى الكيان وبفلسفة الشراكة ‏وبآبائها من يوسف السودا الى ميشال شيحا يجهلون ويتجاهلون أن ولادة ‏‏"لبنان الكبير" لم تكن حدثًا عقاريًا، أراده البطريرك الماروني الراحل ‏الياس الحويك من أجل توسيع رقعته الجغرافية وحسب، وإنما من أجل ‏توسيع رقعة الشراكة التي شكلت ولا تزال المعنى الأبرز والأهم لهذا ‏الكيان.‏

كيف "تفتّقت"عبقرية هؤلاء الموارنة الجدد وقادتهم الى خيار الامتناع ‏قبل شهور قليلة من موعد انتخاب رئيس للجمهورية؟ وماذا لو قرّر ‏نصف النواب المسلمين عدم تسمية رئيس للجمهورية؟

ربّ قائل أن إحدى ضفتي الموارنة الجدد منحازة أساسًا الى ما يسمى ‏‏"الشيعية السياسية"، مع أنها لم تسمّ أيضًا مرشحًا لرئاسة مجلس النواب. ‏فماذا عن الضفة المارونية الثانية التي لطالما ادعت قربها وودّها لأهل ‏السنّة، وفوق ذلك لدنيا العرب من المحيط الى الخليج؟ كيف "يجرؤ" ‏هؤلاء على التعامل بهذه الخفّة مع طائفة العرب وخزان العروبة من ‏عكار الى شبعا مرورًا ببيروت عاصمة العرب؟

مشهدية الاستشارات اليوم تثير قلقًا كبيرًا على الموارنة أولاً واستحقاقاتهم ‏المقبلة، وعلى البلد ومستقبل معناه ورسالته. أما الأخطر فيبقى أن ‏الموارنة الجدد لم يجهزوا على الكيان الذي نعرفه وحسب، وإنما أجهزوا ‏بأيديهم وأرجلهم أيضًا، على ما تبقى من ميثاقه الوطني، وهو درعهم ‏الواقي الأول والأخير.‏

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

23 حزيران 2022 20:38